وهذا في حق الكفار فاما المؤمن فقد استثناه فقال يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ اى خال عن الشرك وَلا يُقْبَلُ مِنْها اى من النفس الاولى المؤمنة شَفاعَةٌ ان شفعت للنفس الثانية الكافرة عند الله لتخليصها من عذابه والشفاعة مصدر الشافع والشفيع وهو طالب قضاء حاجة غيره مأخوذ من الشفع لانه يشفع نفسه بمن يشفع له في طلب مراده ولا شفاعة في حق الكافر بخلاف المؤمن قال النبي عليه السلام (شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي) فمن كذب بها لم ينلها والآيات الواردة في نفى الشفاعة خاصة بالكفار وَلا يُؤْخَذُ مِنْها اى من المشفوع لها وهي النفس الثانية العاصية عَدْلٌ اى فداء من مال او رجل مكانها او توبة تنجو بها من النار والعدل بالفتح مثل الشيء من خلاف جنسه وبالكسر مثله من جنسه وسمى به الفدية لانها تساويه وتماثله وتجرى مجراه وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ اى يمنعون من عذاب الله تعالى ومن أيدي المعذبين فلا نافع ولا شافع ولا دافع لهم والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفي من النفوس الكثيرة والتذكير لكونها عبارة عن العباد والأناسي والنصرة هاهنا أخص من المعونة لاختصاصها بدفع الضرر ثم هذه الآية في غاية البلاغة فانها جمعت ذكر الوجوه التي بها يتخلص المرء من النكبة التي أصابته في الدنيا وهي اربع ينوب عنه غيره في تحمل ما عليه او يفتدى بمال فيخلص منها او يشفع له شافع فيوهب له او ينصره ناصر فيمنعه فقطعها الله عنهم جميعا وعن عكرمة انه قال ان الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بنى انى اب لك في الدنيا وقد احتجت الى مثقال حبة من حسناتك لعلى أنجو بها مما ترى فيقول له ولده انى أتخوف مثل الذي تخوفت أنت فلا أطيق ان أعطيك شيأ ثم يتعلق بزوجته فيقول لها فلانة انى زوج لك في الدنيا فتثنى عليه خيرا فيقول لها انى اطلب منك حسنة واحدة تهبينها لى لعلى أنجو مما ترين فتقول لا أطيق ذلك انى تخوفت مثل الذي تخوفت منه فيقول الله وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى يعنى من أثقلته الذنوب لا يحمل أحد من ذنبه شيأ: قال السعدي
برفتند هر كس درود آنچهـ كشت ... نماند بجز نام نيكو وزشت
بر آن خورد سعدى كه بيخى نشاند ... كسى برد خرمن كه تخمى فشاند
وفي التأويلات النجمية يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ظاهره عام وباطنه خاص مع قوم منهم قد علم الله فيهم خيرا فاسمعهم خطابه في السر فذكروا نعمته التي أنعم بها عليهم وهي استعداد قبول رشاش نوره يوم خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فآمنوا بمحمد عليه السلام من خاصية قبول ذلك الرشاش كما قال عليه السلام (فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل) وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ اى بهذه النعمة اى فضلتكم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بهذه النعمة عند رش النور على من لم يصبهم ذلك النور من العالمين وَاتَّقُوا يَوْماً اى عذاب يوم يخوف الله العام بأفعاله كما قال واتقوا النار إلخ ويخوف الخاص بصفاته كقوله إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ وقوله لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ويخوف خاص الخاص بذاته