الى غيره وكانت العرب فى الجاهلية تعتقد ان الأمراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك. فالمعنى ليس نفى سراية العلة فان السراية والتعدية واقعة بل اضافتها الى العلة من غير ان يكون ذلك بفعل الله تعالى ويدل عليه قوله عليه السلام (لا يورد ممرض على مصحح) والممرض صاحب الإبل المريضة والمصحح صاحب الإبل الصحيحة والمراد النهى عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة وهو من باب اجتناب الأسباب التي هى سبب البلاء إذا كان فى عافية منه فكما انه مأمور ان لا يلقى نفسه فى الماء او فى النار او يدخل تحت ما اشرف على الانهدام ونحوه مما جرت العادة بانه يهلك او يؤذى فكذلك مأمور بالاجتناب عن مقاربة المريض كالمجزوم والقدوم على بلد الطاعون فان هذه كلها اسباب المرض والتلف والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها ففى الأمر بالاجتناب صيانة للمؤمن الضعيف يقينه لئلا يعتقد التأسير من الأسباب اى عند وقوع البلاء او يعتقدان السراية كانت بالطبع لا بقضاء الله تعالى وقدره واما إذا قوى التوكل على الله والايمان بقضائه وقدره فتجوز مباشرة بعض هذه الأسباب كما ورد ان النبي عليه السلام أكل مع مجذوم وقال (بسم الله ثقة بالله توكلت على الله) ونظيره ما روى عن خالد بن الوليد وعمر رضى الله عنهما من شرب السم وانما لم يؤثر فيهما لانهما انما شرباه فى مقام الحقيقة لا ببشريتهما وانما اثر فى النبي عليه السلام بعد تنزله الى حالة بشرية وذلك ان إرشاده عليه السلام كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان من مرتبة الروح وهى اعدل المراتب ولم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنتا عشرة سنة فلما احتضر تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه فليفهم هذا المقام فانه من مزالق الاقدام. واما قوله (ولا هامة) بالتخفيف ففيه تأويلان. أحدهما ان العرب كانت تتشاءم بالهامة وهى الطير المعروف من طير الليل وقيل هى البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم قالوا نعت اليه نفسه او بعض اهله هذا تفسير مالك بن انس. والثاني ان العرب كانت تعتقد ان روح القتيل الذي لم يؤخذ بثاره تصير هامة فتنشر جناحيها عند قبره وتصحيح اسقوني اسقوني من دم قاتلى فاذا أخذ بثاره طارت وقيل كانوا يزعمون ان عظام الميت إذا بليت تصير هامة ويسمونها الصدى بالفارسية [كوف] وتخرج من القبر وتتردد وتأتى الميت بأخبار اهله وهذا تفسير اكثر العلماء وهو المشهور ويجوز ان يكون المراد النوعين وانه عليه السلام نهى عنهما جميعا وفى فتاوى قاضى خان إذا صاحت الهامة فقال أحد يموت رجل قال بعضهم يكون ذلك كفرا وكذا لو رجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند بعضهم. واما قوله (ولا صفر) ففيه تأويلان ايضا. الاول ان الجاهلية كانت تعتقد ان فى الجوف حية يقال لها الصفر تعض كبد الإنسان عضا إذا جاع. والثاني ان المراد تأخيرهم تحريم المحرم الى صفر وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه ويجوز ان يكون المراد هذا والاول جميعا وان الصفرين جميعا باطلان لا اصل لهما وقيل كانوا يتشاءمون بصفر فنفاه النبي عليه السلام بقوله ولا صفر يحكى ان بعض الاعراب أراد السفر فى أول السنة فقال ان سافرت فى المحرم كنت جديرا ان احرم وان رحلت فى صفر خشيت على يدى ان نصفر فاخر السفر الى شهر ربيع