المفازة يعنى التيه اثنى عشر فرسخا فاصابهم حر شديد وجوع مفرط فشكوا الى موسى فرحمهم الله فانزل عليهم عمودا من نور يدلى لهم من السماء فيسير معهم بالليل يضيئ لهم مكان القمر إذا لم يكن قمر وأرسل غماما ابيض رقيقا أطيب من غمام المطر يظللهم من حر الشمس فى النهار وسمى السحاب غماما لانه يغم السماء اى يسترها والغم حزن يستر القلب ثم سألوا موسى الطعام فدعا ربه فاستجاب له وهو قوله تعالى وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ اى الترنجبين بفتح الراء وتسكين النون كان ابيض مثل الثلج كالشهد المعجون بالسمن او المن جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) اى مما من الله على عباده والظاهر ان مجرد مائه شفاء لانه عليه السلام اطلق ولم يذكر الخلط ولما روى عن ابى هريرة انه قال عصرت ثلاثة اكمؤ وجعلت ماءها فى قارورة فكحلت منه جارية لى فبرئت بإذن الله تعالى وقال النووي رأينا في زماننا أعمى كحل عينه بمائها مجردا فشفى وعاده اليه بصره ثم لما ملوا من أكله قالوا يا موسى قتلنا هذا المن بحلاوته فادع لنا ربك ان يطعمنا اللحم فانزل الله عليهم السلوى وذلك قوله وَالسَّلْوى هو السمانى كانت تحشره عليهم الريح الجنوب وكانت الريح تقطع حلوقها وتشق بطونها وتمعط شعورها وكانت الشمس تنضجها فكانوا يأكلونها مع المن واكثر المفسرين على انهم يأخذونها فيذبحونها فكان ينزل عليهم المن نزول الثلج من طلوع الفجر الى طلوع الشمس وتأتيهم السلوى فيأخذ كل انسان منهم كفايته الى الغد الا يوم الجمعة يأخذ ليومين لانه لم يكن ينزل يوم السبت لانه كان يوم عبادة فان أخذ اكثر من ذلك دود وفسد كُلُوا اى قلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ حلالات ما رَزَقْناكُمْ من المن والسلوى ولا ترفعوا منه شيأ ادخارا ولا تعصوا امرى فرفعوا وجعلوا اللحم قديدا مخافة ان ينفد ولو لم يرفعوا لدام عليهم ذلك والطيب ما لا تعافه طبعا ولا تكرهه شرعا وَما ظَلَمُونا اى فظلموا بان كفروا تلك النعمة الجليلة وادخروا بعد ما نهوا عنه وما ظلمونا اى ما بخسوا بحقنا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤونة في الدنيا ولا حساب في العقبى فرفعنا ذلك عنهم لعدم توكلهم علينا: قال في المثنوى
سالها خوردى وكم نامد ز خور ... ترك مستقبل كن وماضى نگر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا بنوا إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا خيانة حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) واستمر النتن من ذلك الوقت لان البادئ للشئ كالحامل للغير على الإتيان به وكذلك استمرت الخيانة من النساء لان أم النساء خانت بان أغواها إبليس قبل آدم حتى أكلت من الشجرة ثم أتت آدم فزينت له ذلك حتى حملته على ان أكل منها
فاستمرت تلك الخيانة من بناتها لازواجها ... قال السعدي
كرا خانه آباد وهمخوا به دوست ... خدا را برحمت نظر سوى اوست
قال في الأشباه والنظائر الطعام إذا تغير واشتد تغيره تنجس وحرم واللبن والزيت والسمن إذا أنتن لا يحرم أكله انتهى والاشارة في الآية انه تعالى لما أدبهم بسوط الغربة أدركهم بالرحمة