قلت الترديد راجع الى العباد. والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الخوف والرجاء وقال ابو البقاء إذا كانت اما للشك جاز ان يليها الاسم وجاز ان يليها الفعل فان كانت للتخيير وقع الفعل بعدها وكانت معه ان كقوله اما ان تلقى وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالهم حَكِيمٌ فيما فعل بهم من الارجاء وغيره والآية نزلت فى ثلاثة نفر من المتخلفين وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمرى وهلال بن امية كانوا من اهل بدر ومياسير ومع ذلك تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك قال كعب بن مالك انا أفره اهل المدينة جملا فمتى شئت لحقت العسكر فتأخر أياما وأيس بعدها من اللحوق بهم فندم على ما صنعه وكذلك صاحباه ولكن لم يفعلوا ما فعله ابو لبابة وأصحابه من شد أنفسهم على السواري واظهار الغم والجزع فوقفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ونهى الناس ان يجالسوهم او يؤاكلوهم او يشاربوهم وأمرهم باعتزال نسائهم وارسالهن الى اهليهن فجاءت امرأة هلال تسأل ان تأتيه بطعامه فانه شيخ كبير فاذن لها فى ذلك خاصة وجاء رسول من الشام الى كعب برغبة فى اللحاق بهم فقال كعب بلغ من خطيئتى الى ان طمع فىّ المشركون قال فضاقت علىّ الأرض بما رحبت وبكى هلال بن امية حتى خيف على بصره فجعل ناس يقولون هلكوا ان لم ينزل الله لهم عذرا وآخرون يقولون عسى الله ان يغفر لهم فصاروا عندهم مرجئين لامر الله اما يعذبهم واما يرحمهم حتى نزلت توبتهم بعد ما مضى خمسون يوما بقوله لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ الى قوله وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا الآية اخر الله تعالى أمرهم مدة ثم بين توبتهم على أجمل الوجوه حيث قرن توبتهم بتوبته تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار وعلم منه ان الهجران للتربية جائز ولوفوق ثلاثة ايام ألا ترى الى الاصحاب كيف قطعوا سلامهم وكلامهم من أولئك الثلاثة الى ان بلغ الكتاب اجله وان اخلاص النية وتفويض الأمور الى الله تعالى سبب لرحمة الله تعالى وان البكاء ايضا مدار لقبول التوبة واخلاص الحال فلا بد من الاستغفار والبكاء على الأوزار- حكى- عن بعض اصحاب فتح الموصلي قدس سره قال دخلت يوما على فتح فوجدته يبكى وقد خالطت دموعه صفرة فقلت له بالله عليك يا سيدى هل بكيت الدم فقال والله لولا انك أقسمت على بالله عز وجل ما أخبرتك بكيت الدمع وبكيت الدم فقلت علام بكيت الدم قال على تخلفى عن الله تعالى فعلام بكيت الدم قال على الدموع ان لا تصح لى ان لا تقبل منى قال فلما توفى رأيته فى المنام فقلت ما فعل الله بك قال غفر لى وقربنى ربى وقال بافتح بكيت كل هذا البكاء على ماذا فقلت يا رب على تخلفى عن حقك قال والدم لم بكيته قلت يا رب على الدموع ان لا تصح لى قال يا فتح فما أردت بهذا كله وعزتى وجلالى لقد صعد الىّ حافظاك أربعين سنة بصحيفتك وما
فيها خطيئة فهذه حال أكابر اولياء الله تعالى يسيئون الظن بانفسهم ويجتهدون فى الله وان علموا العفو والمغفرة ووقف الفضيل فى بعض حجاته ولم ينطق بشىء فلما غربت الشمس قال وا سوأتاه وان عفوت يقول الفقير وهذا كلام حق فان من الفضاحة العصيان ومن الفضاحة ايضا بقاء اثره الدنيوي بعد الغفران ألا ترى ان عتقاء جهنم لا يستريحون يوم القيامة وان دخلوا الجنة الى ان يمحو الله تعالى ما كتب على جباهم من الأثر: قال الحافظ قدس سره