شهيد وهو من مات من الطاعون والصابر المحتسب في حكمه وكذا المبطون وهو الميت من داء البطن وصاحب الاسهال والاستسقاء داخل في المبطون لان عقله لا يزال حاضرا وذهنه باقيا الى حين موته ومثل ذلك صاحب السل وكذا الغرق شهيد وهو بكسر الراء من يموت غريقا في الماء وكذا صاحب المهدم بفتح الدال ما يهدم وصاحبه من يموت تحته وكذا المقتول فى سبيل الله وكذا صاحب ذات الجنب والحرق والمرأة الجمعاء وهي من تموت حاملا جامعا ولدها وليس موت هؤلاء كموت من يموت فجأة او من يموت بالسام او البرسام والحميات المطبقة او القولنج او الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الألم ولورم أدمغتهم وإفساد أمزجتها واعلم ان الطاعون مرض يكثر في الناس ويكون نوعا واحدا والوباء وهو المرض العام قد يكون بطاعون وقد لا يكون وفي الحديث (فناء أمتي بالطعن والطاعون) قيل يا رسول
الله هذا الطعن قد عرفنا فما الطاعون قال (وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة) قال ابن الأثير الطعن القتل بالرمح والوخز طعن بلا نفاذ وهذا لا ينافى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر (غدة كغدة البعير تخرج في مراق البطن) وذلك ان الجنى إذا وخز العرق من مراق البطن خرج من وخزه الغدة فيكون وخز الجنى سبب الغدة الخارجة والغدة هي التي تخرج في اللحم والمراق أسفل البطن وفي الحديث (إذ ابخس المكيال حبس القطر وإذا كثر الزنى كثر القتل وإذا كثر الكذب كثر الهرج) والحكمة ان الزنى إهلاك النفس لان ولد الزنى هالك حكما فلذلك وقع الجزاء بالموت الذريع اى السريع لان الجزاء من جنس العمل ألا يرى ان بخس المكيال يجازى بمنع القطر الذي هو سبب لنقص أرزاقهم وكذا الكذب سبب للتفرق والعداوة بين الناس ولهذا يجازى بالهرج الذي هو الفتنة والاختلاط وانما عمت البلية أينما وقعت لتكون عقوبة على اخوان الشياطين وشهادة ورحمة لعباد الله الصالحين إذ الموت تحفة للمؤمن وحسرة للفاسق ثم يبعثهم الله على قدر أعمالهم ونياتهم فيجازيهم والفرار من الطاعون حرام إذ الفرار نسيان الفاعل المختار كما قال ابن مسعود رضي الله عنه الطاعون فتنة على الفار والمقيم اما الفار فيقول بفراره نجوت واما المقيم فيقول أقمت فمت وفي الحديث (الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف) والزحف الجيش الذي يرى لكثرته كانه يزحف اى يدب دبيبا والمراد هنا الفرار من الجيش فى الغزو ولكن يجب ان يقيد بالمثل او الضعف فهذا الخبر يدل على ان النهى عن الخروج للتحريم وانه من الكبائر وليس بعيدا ان يجعل الله الفرار منه سببا لقصر العمر كما جعل الله تعالى الفرار من الجهاد سببا لقصر العمر قال تعالى قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا واما الخروج بغير طريق الفرار فمرخص فيه لكن الرخصة مشروطة بشرائط صعبة لا يقدر عليها الا الافراد منها حفظ امر الاعتقاد والتحرز من الأسباب العادية للمرض كالهواء الفاسد وغيره فهو رخصة لكن مباشرة الحمية لاجل الخلاص من الموت سفه وعبث لا يشك في حرمتها عوام المسلمين فضلا عن خواصهم قالوا فى بعض الأمراض سراية الى ما يجاوره بإذن الله تعالى كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم