للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لا بد من الجزاء فانا مالك يوم الدين وفي التأويلات النجمية الاشارة فى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ان الدين فى الحقيقة الإسلام يدل عليه قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ والإسلام على نوعين اسلام بالظاهر واسلام بالباطن فاسلام الظاهر بإقرار اللسان وعمل الأركان فهذا الإسلام جسدانى والجسداني ظلمانى ويعبر عن الليل بالظلمة واما اسلام الباطن فبانشراح القلب والصدر بنور الله تعالى فهذا الإسلام الروحاني نورانى ويعبر عن اليوم بالنور فالاسلام الجسداني يقتضى اسلام الجسد لاوامر الله ونواهيه والإسلام الروحاني يقتضى استسلام القلوب والروح لاحكام الأزلي وقضائه وقدره فمن كان موقوفا عند الإسلام الجسداني ولم يبلغ مرتبة الإسلام الروحاني وهو بعد في سير ليلة الدين متردد ومتحير فيرى ملوكا وملاكا كثيرة كما كان حال الخليل عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى ومن تنفس صبح سعادته وطلعت شمس الإسلام الروحاني من وراء جبل نفسه من مشرق القلب فهو على نور من ربه واضح في كشف يوم الدين فيكون ورد وقته أصبحنا وأصبح الملك لله فيشاهد بعين اليقين بل يكاشف حق اليقين ان الملك لله ولا مالك الا مالك يوم الدين فاذا تجلى له النهار وكشف بالمالك جهارا يخاطبه وجاها ويناجيه شفاها إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ومن لطائف مالك يوم الدين ان مخالفة الملك تأول الى خراب العالم وفناء الخلق فكيف مخالفة ملك الملوك كما قال الله تعالى في سورة مريم تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ والطاعة سبب المصالح كما قال تعالى نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى فعلى الرعية مطاوعة الملوك وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك لينتظم مصالح العالم ومن لطائفه ايضا ان مالك يوم الدين يبين ان كمال ملكه بعد له حيث قال وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فالملك المجازى ان كان عادلا كان حقا فدرت الضروع ونمت الزروع وان كان جائرا كان باطلا فارتفع الخير- يحكى- ان انوشروان انقطع فى الصيد عن القوم فانتهى الى بستان فقال لصبى فيه أعطني رمانة فاعطاه فاستخرج من حبها ماء كثيرا سكن به عطشه فاعجبه وأضمر أخذ البستان من مالكه فسأله اخرى فكانت عفصة قليلة الماء فسأل الصبى عنه فقال لعل الملك عزم على الظلم فتاب قلبه وسأله اخرى فوجدها أطيب من الاولى فقال الصبى لعل الملك تاب فتنبه انوشروان وتاب بالكلية عن الظلم فبقى اسمه مخلدا بالعدل حتى روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه تفاخر فقال (ولدت في زمن الملك العادل) قال الفنارى في تفسير الفاتحة بل لعله تفاخر بزمنه النورانى حتى ولد فيه مثله وذكر انوشروان دليلا على نورانية زمانه حيث لا يتصور في الكافر المسلط احسن حالا من العدل انتهى قال الامام السخاوي في المقاصد الحسنة حديث (ولدت في زمن الملك العادل) لا اصل له ولا صحة وان صح فاطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا الوصفية بالعدل والشهادة له بذلك او وصفه بذلك على اعتقاد المعتقدين فيه انه كان عادلا كما قال الله تعالى فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ اى ما كان عندهم آلهة ولا يجوز ان يسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحكم بغير حكم الله عادلا انتهى كلام المقاصد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه فان كان مطيعا لله في عمله مضى فيه وان كان عاصيا لله انخرق به الجسر فيهوى في جهنم مقدار خمسين عاما) كذا في تذكرة الموتى للامام القرطبي

<<  <  ج: ص:  >  >>