المطر من السماء أربعين يوما بمياه كثيرة وامر عيون الأرض فانفجرت فكان الماءان سواء فى اللين غير ان ماء السماء كان مثل الثلج بياضا وبردا وماء الأرض مثل الحميم حرارة حتى ارتفع الماء على أعلى جبل فى الدنيا ثمانين ذراعا ثم امر الأرض فابتعلت ماءها وبقي ماء السماء لم تبتلعه الأرض فهذه البحور التي على وجه الأرض منها واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جزر عن الأرض حين خلق الله الأرض من زبده انتهى وَيا سَماءُ أَقْلِعِي اى أمسكي عن إرسال المطر يقال اقلع الرجل عن عمله إذا كف وأقلعت السماء إذا انقطع مطرها فالاقلاع يشترك بين الحيوانات والجمادات قال العلماء قيل مجاز مرسل عن الارادة كأنه قيل أريد ان يرتد ما انفجر من الأرض الى بطنها وان ينقطع طوفان السماء وذلك بعد أربعين يوما وليلة- روى- انه لا ينزل من السماء قطرة من ماء إلا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان يوم الطوفان فانزل بغير كيل ووزن. واصل الكلام قيل يا ارض ابلعي ماءك فبلغت ماءها ويا سماء أقلعي عن إرسال الماء فاقلعت عن إرساله وغيض الماء النازل من السماء فغاض وترك ذكره لظهور انفهامه من الكلام وَغِيضَ الْماءُ اى نقص ما بين السماء والأرض من الماء فظهرت الجبال والأرض والغيض النقصان يقال غاض الماء قل ونضب وغاضه الله نقصه يتعدى ويلزم وهو فى الآية من المتعدى لان الفعل لا يبنى للمفعول بغير واسطة حرف الجر الا إذا كان متعديا بنفسه وَقُضِيَ الْأَمْرُ اى أنجز الموعود من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين فالقضاء هاهنا بمعنى الفراغ كأنه قيل تم أمرهم وفرغ من إهلاكهم وإغراقهم قال فى المفتاح قيل الأمر دون ان يقال امر نوح لقصد الاختصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك قال السيد اما لان اللام بدل من المضاف اليه كما هو مذهب الكوفية واما لانها تغنى غناء الاضافة فى الاشارة الى المعهود وَاسْتَوَتْ واستقرت الفلك واختير استوت على سويت اى
أقرت مع كونه انسب باخواته المبنية للمفعول اعتبارا لكون الفعل المقابل للاستقرار اعنى الجريان منسوبا الى السفينة على صيغة المبنى للفاعل فى قوله وهى تجرى بهم مع ان استوت اخصر من سويت عَلَى الْجُودِيِّ هو جبل بالجزيرة بقرب الموصل او بالشام او بآمد- وروى- فى الخبر ان الله تعالى اوحى الى الجبال انى انزل السفينة على جبل فتشامخت الجبال وتواضع الجودي لله تعالى فارست عليه السفينة: قال السعدي قدس سره
طريقت جز اين نيست درويش را ... كه افكنده دارد تن خويش را
بلنديت بايد تواضع كزين ... كه آن نام را نيست راهى جز اين
والتواضع آخر مقام ينتهى اليه رجال الله تعالى وحقيقته العلم بعبودية النفس ولا يصح مع العبودية رياسة أصلا لانها ضد لها ولهذا قال المشايخ قدس الله أسرارهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ولا تظن ان هذا التواضع الظاهر على اكثر الناس وعلى بعض الصالحين تواضع وانما هو تملق لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه والمطلوب منه فالتواضع سر من اسرار الله تعالى لا يهبه على الكمال الا لنبى او صديق كما فى المواقع وعن على رضى الله أشد الخلق الجبال الرواسي والحديد أشد منها إذ ينحت به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفى