فى الآخر تَغْفِرْ لِي اى وان لم تغفر لى ما صدر منى من السؤال المذكور وَتَرْحَمْنِي بقبول توبتى أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أعمالا بسبب ذلك فان الذهول عن شكر الله لا سيما عند وصول مثل هذه النعمة الجليلة التي هى النجاة وهلاك الأعداء والاشتغال بما لا يعنى خصوصا بمبادى خلاص من قيل فى شأنه انه عمل غير صالح والتضرع الى الله تعالى فى امره معاملة غير رابحة وخسران مبين واعلم ان التوبة والاستغفار والالتجاء الى الملك الغفار ورد لا ينقطع الى الموت وفعل يستمر الى زمان الفوت لان المؤمن لا يزال متقلبا بين التنزلات والترقيات والسالك لا يبرح مبتلى بالاستتار والتجليات والكامل لا ينفك يتدرج الى غايات مراتب السير فى عوالم الصفات والذات. وهذا نوح قد سأل ما سأل ثم تاب. وهذا موسى قد طلب ما طلب ثم أناب والكل جار بقضاء الله وقدره فانه إذا جاء يتعطل العبد عن قواه وقدره: وفى المثنوى
اين هم از تأثير حكمست وقدر ... چاه مى بينى ونتوانى حذر
نيست خود از مرغ پران اين عجب ... كو نبيند دام وافتد در عطب
چشم باز وكوش باز ودام پيش ... سوى دامى مى برد با پر خويش
ألا ترى الى نوح عليه السلام فانه لما ابتدر الى سؤال ابنه نبه على تركه مرات والاشارة وَنادى نُوحٌ اى نوح الروح رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي اى النفس المتولدة من ازدواج الروح والقالب من أهلي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وذلك ان الله تعالى لما أراد بحكمته ان ينزل الأرواح المقدسة العلوية من أعلى عليين جواره وقربه الى أسفل سافلين القالب قال أرواح الأنبياء والأولياء وخواص المؤمنين يا ربنا والهنا تنزلنا من أعلى مقامات قربك الى أسفل دركات بعدك ومن عالم البقاء الى عالم الفناء ومن دار السرور واللقاء الى دار الحزن والبلاء ومن منزل التجرد والتواصل الى منزل التوالد والتناسل ومن رتبة الاصطفاء والاجتباء الى رتبة الاجتهاد والابتلاء فوعدهم الله من عواطف إحسانه بان ينجيهم وأهليهم من ورطات الهلاك فكما ان من قضية حكمته ان يكون لنوح اربعة بنين ثلاثة منهم مؤمنون وواحد كافر فكذلك حكمته اقتضت ان يكون للروح اربعة بنين ثلاثة منهم مؤمنون وهم القلب والسر والعقل وواحد كافر وهو النفس فكما كان ثلاثة من بنى نوح معه فى السفينة وكان واحد فى معزل منه فكذلك ثلاثة من بنى الروح معه كانوا فى سفينة الشريعة وكان واحد وهو كافر النفس فى معزل منه ومن الدين والشريعة فلما اشرف ولده الكافر على العرق فى بحر الدنيا وطوفان الفتن قال رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ يعنى فان أنجيته او أغرقته أنت اعدل العادلين فيما تفعله لانك حكيم واحكم الحكماء لا تخلو افعالك من عدل وحكمة أنت اعلم بها قالَ اى الرب تعالى للروح يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ اى من اهل دينك وملتك والاهلية على نوعين اهلية القرابة واهلية الملة والدين وما نفى هنا اهلية القرابة لتولدها من الروح ثم اظهر علة نفى الاهلية الدينية فقال إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ اى خلق للامارية بالسوء وهذه سيرتها ابدا ثم ادب الروح بآداب اهل القربة فقال فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اى علم