تتم أربعون سنة من عمره. والثالثة سن الكهولة وهو سن الانحطاط اليسير الخفي وتمامه الى ستين سنة. والرابعة سن الشيخوخة وهو سن الانحطاط العظيم الظاهر وتمامه عند الأطباء الى مائة وعشرين سنة. والأشد غاية الوصول الى الفطرة الاولى بالتجرد عن غواشى الخلقة التي يسميها الصوفية بمقام الفتوة قال فى التعريفات الفتوة فى اللغة السخاء والكرم وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى ان تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة آتَيْناهُ حُكْماً كمالا فى العلم والعمل استعد به الحكم بين الناس بالحق ورياستهم قال القشيري من جملة الحكم الذي آتاه الله نفوذ حكمه على نفسه حتى غلب شهوته فامتنع عما راودته زليخا عن نفسه ومن لا حكم له على نفسه لم ينفذ حكمه على غيره قال الامام نقلا عن الحسن كان نبيا من الوقت الذي ألقى فيه فى غيابة الجب لقوله تعالى وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ ولذا لم يقل هاهنا ولما بلغ أشده
واستوى كما قال فى قصة موسى لان موسى اوحى اليه عند منتهى الأشد والاستواء وهو أربعون سنة واوحى الى يوسف عند اوله وهو ثمان عشرة سنة وَعِلْماً قالوا المراد من الحكم الحكمة العملية ومن العلم الحكمة النظرية وذلك لان اصحاب الرياضات والمجاهدات يصلون اولا الى الحكمة العملية ثم يترقون منها الى الحكمة النظرية. واما اصحاب الافكار والانظار العقلية فانهم يصلون اولا الى الحكمة النظرية ثم ينزلون منها الى الحكمة العملية وطريقة يوسف عليه السلام هى الاول لانه صبر على المكاره والبلاء والمحن ففتح الله له أبواب المكاشفات: قال الحافظ
مكن ز غصه شكايت كه در طريق طلب ... براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد
: وقال
چهـ جورها كه كشيدند بلبلان از دى ... ببوى آنكه دكر نو بهار باز آمد
والحاصل ان طريقة يوسف طريقة السالك المجذوب لا طريقة المجذوب السالك والاولى هى سنة الله الغالبة فى أنبيائه وأوليائه ففى قوله حُكْماً وَعِلْماً اشارة الى استكمال النفس فى قوتها العملية والنظرية وعن الحسن من احسن عبادة ربه فى شبيبته آتاه الله الحكمة فى اكتهاله وفيه اشارة الى ان المطيع تفتح له ينابيع الحكمة وتنبيه على ان العطية الالهية تصل الى العبد وان طال العهد إذا جاء أوانها فلطالب الحق ان ينتظر احسان الله تعالى ولا ييأس منه وفى الحديث (أفضل اعمال أمتي انتظارهم فرج الله) قال النصر لما عقل يوسف عن الله او امره ونواهيه واستقام معه على شروط الأدب أعطاه حكما على الغيب فى تعبير الرؤيا وعلما بنفسه فى مخالفة هواها قال بعض الأكابر الكمال العلمي أفضل من الكمال العملي والتقصير من جهة العلم أشد من التقصير من جهة العمل فان حسن العقيدة وصفاء القريحة بسبب العلم والكمال ولشرفه امر الله تعالى سيد الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم وسلامه بطلب الزيادة منه فقال وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وقد ذكر اهل الاشارة ان آدم عليه السلام وصل الى رياسة سجود الملائكة بعلم الأسماء وسليمان الى الملك العظيم بالفهم وعلم منطق الطير ويوسف الى النجاة والشرف والعز بعلم التعبير فالعالم بعلم التوحيد كيف لا ينجو من الجحيم وينال شرف لقاء الله تعالى فى دار النعيم وَكَذلِكَ اى مثل الجزاء العجيب الذي