للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعصمته اى لا أنزهها عن السوء من حيث هى هى ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله تعالى إِنَّ النَّفْسَ اللام للجنس اى جميع النفوس التي من جملتها نفسى فى حد ذاتها لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ تأمر بالقبائح والمعاصي لانها أشد استلذاذا بالباطل والشهوات وأميل الى انواع المنكرات ولولا ذلك لما صارت نفوس اكثر الخلق مسخرة لشهواتهم فى استنباط الحيل لقضاء الشهوة وما صدرت منها الشرور اكثر ومن هاهنا وجب القول بان كل من كان او فر عقلا وأجل قدرا عند الله كان ابصر بعيوب نفسه ومن كان ابصر بعيوبها كان أعظم اتهاما لنفسه واقل إعجابا إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي من النفوس التي يعصمها من الوقوع فى المهالك ومن جملتها نفسى ونفوس سائر الأنبياء ونفوس الملائكة اما الملائكة فانه لم تركب فيهم الشهوة واما الأنبياء فهم وان ركبت هى فيهم لكنهم محفوظون بتأييد الله تعالى معصومون فما موصولة بمعنى من. وفيه اشارة الى ان النفس من حيث هى كالبهائم والاستثناء من النفس او من الضمير المستتر فى امارة كأنه قيل ان النفس لامارة بالسوء الا نفسا رحمها ربى فانها لا تأمر بالسوء او بمعنى الوقت اى هى امارة بالسوء فى كل وقت الا وقت رحمة ربى وعصمته لها ودل على عموم الأوقات صيغة المبالغة فى امارة يقال فى اللغة أمرت النفس بشئ فهى آمرة وإذا أكثرت الأمر فهى امارة إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ عظيم المغفرة لما يعترى النفوس بموجب طباعها رَحِيمٌ مبالغ فى الرحمة لها بعصمتها من الجريان بمقتضى ذلك قال فى التأويلات النجمية خلقت النفس على جبلة الامارية بالسوء طبعا حين خليت الى طبعها لا يأتى منها الا الشر ولا تأمر الا بالسوء ولكن إذا رحمها ربها ونظر إليها بنظر العناية يقلبها من طبعها ويبدل صفاتها ويجعل اماريتها مبدلة بالمأمورية وشريرتها بالخيرية فاذا تنفس صبح الهداية فى ليلة البشرية وأضاء أفق سماء القلب صارت النفس لوامة تلوم نفسها على سوء فعلها وندمت على ما صدر عنها من الامارية بالسوء فيتوب الله عليها فان الندم توبة وإذا طلعت شمس العناية من أفق الهداية صارت النفس ملهمة إذ هى تنورت بانوار شمس العناية فالهمها نورها فجورها وتقواها وإذا بلغت شمس العناية وسط سماء الهداية وأشرقت الأرض بنور ربها صارت النفس مطمئنة مستعدة لخطاب ربها بجذبة ارجعي الى ربك راضية مرضية انتهى يقول الفقير سلوك الأنبياء عليهم السلام

وان كان من النفس المطمئنة الى الراضية والمرضية والصافية الا ان طبع النفوس مطلقا اى سواء كانت نفوس الأنبياء او غيرهم على الامارية وكون طبعها عليها لا يوجب ظهور آثار الامارة بالنسبة الى الأنبياء ولذا لم يقل يوسف عليه السلام ان نفسى لامارة بالسوء بعد ما قال وما أبرئ نفسى بل اطلق القول فى الامارية واستثنى النفوس المعصومة فلولا العصمة لوقع من النفس ما وقع ولذا قال عليه السلام (رب لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك) فالدليل على امارية مطلق النفوس هذه الآية وقد قال ابن الشيخ فى هذه السورة عند قوله تعالى وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً يحتمل ان يكون المراد من الحكم صيرورة نفسه المطمئنة حاكمة على نفسه الامارية بالسوء مستعلية عليها قاهرة لها انتهى فاثبت الامارية لنفس يوسف وقال سعدى المفتى عند قوله تعالى أَصْبُ إِلَيْهِنَّ فى هذه السورة ايضا

<<  <  ج: ص:  >  >>