للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم حتى مات فعالجوه وملحوه واحتملوه ليراه الناس وفى الواقعات المحمودية ان ذا القرنين طلب رأس النيل فلم يجد- وحكى- انهم وصلوا الى جبل فكل من نظر وراءه لم يأت فربطوا فى وسط شخص حبلا فبعد ان نظر جذبوه وسألوا منه فلم ينطق حتى مات قال بعضهم لولا دخول بحر النيل فى الملح الذي يقال له البحر الأخضر قبل ان يصل الى بحيرة الزنج ويختلط بملوحته لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته ولذا يقال ان النيل نهر العسل فى الجنة ومن الأنهار نهر أرس كما قال الشاعر

أرس را در بيابان جوش باشد ... بدريا چون رسد خاموش باشد

وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ متعلق بقوله جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ اثنين تأكيد للزوجين كما هو دأب العرب فى كلامهم اى وخلق فيها من جميع انواع الثمرات زوجين زوجين كالحلو والحامض والأسود والأبيض والأصفر والأحمر والصغير والكبير يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار اى يجعله مستورا بالليل ويغطيه بظلمته ولم يذكر العكس اكتفاء بأحد الضدين قال البيضاوي يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلما بعد ما كان مضيئا يعنى ان الاغشاء إلباس الشيء الشيء ولما كان اللباس الليل النهار وتغطية النهار به غير معقول لانهما متضادان لا يجتمعان واللباس لا بد ان يجتمع مع اللابس قدر المضاف وهو مكانه ومكان النهار هو الجو وهو الذي يلبس ظلمة الليل شبه احداث الظلمة فى الجو الذي هو مكان الضوء بإلباسها إياه وتغطيته بها فاطلق عليه اسم الاغشاء والإلباس فاشتق منه لفظ يغشى فصار استعارة تبعية إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى كل من الأرض والجبال والأنهار والثمار والملوين لَآياتٍ تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره اما فى الأرض فمن حيث هى ممدودة مدحوة كالبساط لما فوقها وفيها المسالك والفجاج للماشين فى مناكبها وغير ذلك مما فيها من العيون والمعادن والدواب مثلا واما الجبال فمن جهة رسوها وعلوها وصلابتها وثقلها وقد أرسيت الأرض بها كما يرسى البيت بالأوتاد واما الأنهار فحصولها فى بعض جوانب الجبال دون بعض لا بد ان يستند الى الفاعل المختار الحكيم واما الثمار فالحبة إذا وقعت فى الأرض واثرت فيها نداوة الأرض ربت وكبرت وبسبب ذلك ينشق أعلاها وأسفلها فتخرج من الشق الأعلى الشجرة الصاعدة وتخرج من الشق الأسفل العروق الغائصة فى أسفل الأرض وهذا من العجائب لان طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والافلاك والكواكب فيها واحد ثم انه خرج من أحد جانبى تلك الحبة جرم صاعد الى الهواء ومن الجانب الآخر منها جرم غائص فى الأرض ومن المحال ان يتولد من طبيعة واحدة طبيعتان متضادتان فعلمنا ان ذلك انما كان بسبب تدبير المدبر الحكيم ثم ان الشجرة النابتة من تلك الحبة بعضها يكون خشبا وبعضها يكون نورة وبعضها يكون ثمرة ثم ان تلك الثمرة ايضا يحصل فيها

أجسام مختلفة الطبائع فالجوز له اربعة انواع من القشور قشره الأعلى وتحته القشرة الخشبية وتحته القشرة المحيطة باللب وتحت تلك القشرة قشرة اخرى فى غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا وايضا قد يحصل فى الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالعنب مثلا

<<  <  ج: ص:  >  >>