المجمع عليها كما هو المشهور فى مثله أَنْزَلْناهُ يعنى القرآن حُكْماً يحكم فى كل شىء يحتاج اليه العباد على مقتضى الحكمة والصواب. فالحكم مصدر بمعنى الحاكم لما كان جميع التكاليف الشرعية مستنبطا من القرآن كان سببا للحكم فاسند اليه الحكم اسنادا مجازيا ثم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة ويقال حكما اى محكما لا يقبل النسخ والتغيير عَرَبِيًّا مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصاب حكما على انه حال موطئة وعربيا صفته والحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هى الحال فكأن الاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال فى الحقيقة لمجيئه قبلها موصوفا بها- روى- ان المشركين كانوا يدعونه عليه السلام الى اتباع ملة آبائهم المشركين وكان اليهود يدعونه الى الصلاة الى قبلتهم اى بيت المقدس بعد ما حول عنها فقال تعالى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ التي يدعونك إليها لتقرير دينهم جعل ما يدعونه اليه من الدين الباطل والطريق الزائغ هوى وهو ما يميل اليه الطبع وتهواه النفس بمجرد الاشتهاء من غير سند مقبول ودليل معقول لكونه هوى محضا بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ من الدين المعلوم صحته بالبراهين ما لَكَ مِنَ اللَّهِ من عذابه مِنْ وَلِيٍّ ينصرك وَلا واقٍ يحفظك ويمنع عنك العذاب وهذا خطاب له عليه السلام والمراد تحريض أمته على التمسك بالدين وتحذيره من التزلزل فانه إذا حذر من كان ارفع منزلة من الكل هذا التحذير كان غيره اولى بذلك اعانك الله
وإياي فى كل مقام فعلى العاقل ان يسلك طريق العبودية الى عالم الربوبية ولا يشرك شيأ من الدنيا والآخرة بل يكون مخلصا فى طلبه ومن اتبع الشرك بعد ما جاءه من العلم وهو طلب الوحدانية ببذل الا نانية ماله من الله من ولى يخرجه من ظلمات الاثنينية الى نور الوحدانية ولا واق يقيه من عذاب البعد وحجاب الشركة فى الوجود بالوجود فطريق الخلاص انما هى العبودية قال الامام الفخر الرازي فى الكبير وقد بلغ شرف العبودية مبلغا بحيث اختلف العلماء فى العبودية والرسالة المستجمعتين فى المرسلين أيهما أفضل فقالوا ان العبودية أفضل واستدلوا عليه بانه بالعبودية ينصرف من الخلق الى الحق وبالرسالة ينصرف من الحق الى الخلق والعبودية ان يكل أموره الى سيده فيكون هو المتكفل تعالى بإصلاح مهامه والرسالة التكفل بمهام الامة وشتان ما بينهما هذا آخر كلامه والعبودية هى مقام الجمع والرسالة مقام التفرقة انظر الى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان فى تمحض عبوديته مع ربه كما اخبر عنه (أبيت عند ربى هو يطعمنى ويسقينى) وفى حال رسالته يقول (كلمينى يا حميراء) لينقطع من الحق الى الخلق وكفى شرفا تقديم العبد على الرسول فى اشهد ان محمدا عبده ورسوله وفى العبودية معنى الكرامة والتشريف كما قال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ: قال الحافظ
گدايئ در جانان بسلطنت مفروش ... كسى ز سايه اين در بآفتاب رود
وعن على رضى الله عنه كفانى شرفا ان تكون لى ربا وكفانى عزا ان أكون لك عبدا وكما ان الله تعالى هو خالق العبد فكذا لا جاعل للعبد عبدا وذلك برفع هواه الا هو ألا ترى الى قوله تعالى بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ابدا لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فان المطهر بالكسر فى الحقيقة هو الله تعالى