ويعضده ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان الشياطين كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات ولما ولد محمد عليه السلام منعوا من السموات كلها بالشهب وما يوجد اليوم من اخبار الجن على ألسنة المخلوقين انما هو خبر منهم عما يرونه فى الأرض مما لا نراه نحن كسرقة سارق او خبية فى مكان خفى ونحو ذلك وان أخبروا بما سيكون كان كذبا كما فى آكام المرجان وفى الحديث (ان الملائكة تنزل الى العنان فتذكر الأمر الذي قضى فى السماء فيسترق الشيطان السمع فيوحيه الى الكهان فيكذبون مائة كذبة من عند أنفسهم) وفى بعض التفاسير ان الشياطين كانوا يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا او كان الشيطان المارد يصعد ويكون الآخر أسفل منه فاذا سمع قال للذى هو أسفل
منه قد كان من الأمر كذا وكذا فيهرب الأسفل لاخبار الكهنة ويرمى المستمع بالشهاب فهم لا يرمون بالكواكب نفسها لانها قارة بالفلك على حالها وما ذاك الا كقبس يؤخذ من نار والنار ثابتة كاملة لا تنقص فمنهم من يحرق وجهه وجبينه ويده وحيث يشاء الله ومنهم من يخبل اى يفسد عقله حتى لا يعود الى الاستماع من السماء فيصير غولا فيضل الناس فى البوادي ويغتالهم اى يهلكهم ويأخذهم من حيث لم يدروا قال ابن الأثير فى النهاية الغول أحد الغيلان وهى جنس من الجن والشيطان وكانت العرب تزعم ان الغول فى الفلاة تترا أي للناس فتتلون تلونا فى صور شتى تضلهم عن الطريق وتهلكهم انتهى وفيه اشارة الى ان وجود الغول لا ينكر بل المنكر تشكلهم باشكال مختلفة وإهلاكهم بنى آدم وهو مخالف لما سبق آنفا من التفاسير اللهم الا ان يراد ان ذلك قبل بعثة النبي عليه السلام وقد أبطله عليه السلام بقوله (لا غول ولكن السعالى) اى لا يستطيع الغول ان يضل أحدا فلا معنى للزعم المذكور. والسعالى بالسين المفتوحة والعين المهملة سحرة الجن جمع سعلاة بالكسر ولكن فى الجن سحرة تتلبس وتتخيل لهم قال فى أنوار المشارق والذي ذهب اليه المحققون ان الغول شىء يخوف به ولا وجود له كما قال الشاعر
الجود والغول والعنقاء ثالثة ... اسماء أشياء لم توجد ولم تكن
وتزعم العرب انه إذا انفرد رجل فى الصحراء ظهرت له فى خلقة انسان ورجلاها رجلا حمار انتهى واما قول صاحب المثنوى قدس سره
ذكر حق كن بانگ غولانرا بسوز ... چشم نرگس را ازين كركس بدوز
فيشير الى الشياطين الخبيثة المفسدة بل الى كل مضل للطالب عن طريق الحق على سبيل التشبيه وفائدة الذكر كونه دافعا لوساوسه لانه إذا ذكر الله خنس الشيطان اى تأخر ولعل المراد والله اعلم ان الجن ليس لهم دماغ كادمغة بنى آدم فلا تحمل لهم على استماع الصوت الجهوري الشديد فالذاكر إذا رفع صوته بالذكر طرد عن نفسه الشيطان وأحرقه بنور ذكره وأفسد عقله بشدة صوته وشهاب نفسه المؤثر ذكر ابو بكر الرازي ان التكبير جهرا فى غير ايام التشريق لايسن الا بإزاء العدو واللصوص تهييبا لهم انتهى يقول الفقير لما كان أعدى العدو هى النفس وأشد اللصوص والسراق هو الشيطان اعتاد الصوفية بجهر الذكر فى كل زمان ومكان تهييبا لهما وطردا لوسوستهما وإلقاءاتهما والعاقل لا يستريب فيه أصلا