بقوله (انما الكرم قلب المؤمن) يعنى ان ما ظنوه من السخاء والكرم فانما هو من قلب المؤمن لا من الخمر إذ اكثر تصرفات السكران عن غلبة من عقله فلا يعتبر ذلك الغطاء كرما ولا سخاء إذ هو فى تلك الحالة كصبى لا يعقل السخاء ويؤثر بماله سرفا وتبذيرا فكما لا يحمل ذلك على الكرم فكذا إعطاء السكران كذا فى أبكار الافكار وخصص هذه الأنواع المعدودة بالذكر للاشعار بفضلها وشرفها ثم عمم فقال وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ من تبعضية اى بعض كلها لانه لم يخرج بالمطر جميع الثمرات وانما يكون فى الجنة اى لم يقل كل الثمرات لان كلها لا تكون الا فى الجنة وانما أنبت فى الأرض من كلها للتذكرة ولعل المراد ومن كل الثمرات التي يحتملها هذه النشأة الدنيوية وترى بها وهى الثمرات المتعارفة عند الناس بانواعها وأصنافها فتكون كلمة من صلة
كما فى قوله تعالى يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ على رأى الكوفية وهو اللائح إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى إنزال الماء وإنبات ما فصل لَآيَةً عظيمة دالة على تفرده تعالى بالالوهية لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فان من تفكر فى ان الحبة والنواة تقع فى الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أسفلها فيخرج منه عروق تنبسط فى اعماق الأرض وينشق أعلاها ان كانت منتكسة فى الوقوع ويخرج منه ساق فينمو ويخرج منه الأوراق والازهار والحبوب والثمار على أجسام مختلفة الاشكال والألوان والخواص والطبائع وعلى نواة قابلة لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا الى نهاية مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية والتأثيرات العلوية بالنسبة الى الكل علم ان من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن ان يشبهه شىء فى شىء من صفات الكمال فضلا عن ان يشاركه اخس الأشياء فى صفاته التي هى الالوهية واستحقاق العبادة تعالى عن ذلك علوا كبيرا
روضه جانبخش جانها آفريد ... بغچهـ كون ومكانها آفريد
كرد از هر شاخها گل برك وبار ... جلوه او نقش ديگر آشكار
والتفكر تصرف القلب فى معانى الأشياء لدرك المطلوب قالوا الذكر طريق والفكر وسيلة المعرفة التي هى أعظم الطاعات قال بعضهم الذكر أفضل للعامة لما فى الفكر لهم من خوف الوقوع فى الأباطيل وتمكن الشبه عندهم كما يعرض ذلك لكثير من العوام فى زماننا والفكر أفضل لارباب العلم عند التمكن من الفكر المستقيم فانهم كلما عرضت لهم شبهة تطلبوا دليلا يزيلها فكان الفكر لهم أفضل من الذكر إذا لم يتمكنوا من حصول الفكر البليغ مع الذكر واليه أشار عليه السلام بقوله (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) - روى- ان عثمان رضى الله عنه ختم القرآن فى ركعة الوتر لتمكنه من التدبر والتفكر ولم يبح ذلك لمن لم يتمكن من تدبره ومعرفة فقهه وأجل له مدة يتمكن فيها من ذلك كالثلاثة والسبعة والاشارة فى الآية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً الفيض لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ المحبة لقلوبكم وَمِنْهُ شَجَرٌ قوى البشرية ودواعيها فيه ترعون مواشى نفوسكم ينبت لغذاء أرواحكم به زرع الطاعات وزيتون الصدق ونخيل الأخلاق الحميدة وأعناب الواردات الربانية ومن كل ثمرات المعقولات والمشاهدات والمكاشفات والمكالمات والأحوال كلها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ