للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستفاد منها عند نسخها قال القرطبي الجمهور على ان النسخ انما هو مختص بالأوامر والنواهي والخبر لا يدخله النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى أَوْ نُنْسِها إنساء الآية إذهابها من القلوب كما روى ان قوما من الصحابة قاموا ليلة ليقرؤا سورة فلم يذكروا منها الا البسملة فغدوا الى النبي عليه السلام واخبروه فقال صلى الله عليه وسلم (تلك سورة رفعت بتلاوتها وأحكامها) روى ان المشركين او اليهود قالوا ألا ترون الى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ما يقول الا من تلقاء نفسه يقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا كما امر في حد الزنى بايذائهما باللسان حيث قال (فآذوهما) ثم جعله منسوخا وامر بامساكهن في البيوت) حتى يتوفاهن الموت) ثم جعله منسوخا بقوله فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ يريدون بذلك الطعن في الإسلام ليضعفوا عزيمة من أراد الدخول فيه فبين الله الحكمة في النسخ بهذه الآية والمعنى ان كل آية تذهب بها على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من ازالة لفظها او حكمها او كليهما معا الى

بدل او الى غير بدل نَأْتِ بِخَيْرٍ اى بآية هى خير مِنْها للعباد بحسب الحال فى النفع والثواب من الذاهبة وليس المقصود ان آية خير من آية لان كلام الله واحد وكله خير فلا يتفاضل بعض الآيات على بعض في أنفسها من حيث انه كلام الله ووحيه وكتابه بل التفاضل فيها انما هو بحسب ما يحصل منها للعباد أَوْ مِثْلِها فى المنفعة والثواب فكل ما نسخ الى الأيسر فهو أسهل في العمل وما نسخ الى الأشق فهو في الثواب اكثر اما الاول فكنسخ الاعتداد بحول ونقله الى الاعتداد باربعة أشهر وعشرا واما الثاني فكنسخ ترك القتال بايجابه وقد يكون النسخ بمثل الاول لا أخف ولا أشق كنسخ التوجه الى بيت المقدس بالتوجه الى الكعبة وهذا الحكم غير مختص بنسخ الآية التامة فما فوقها بل جار فيما دونها ايضا وتخصيصها بالذكر باعتبار الغالب واعلم ان الناسخ على الحقيقة هو الله تعالى ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا في الاسناد بناء على ان النسخ يقع به والمنسوخ هو الحكم المزال والمنسوخ عنه هو المتعبد بالعبادة المزالة وهو المكلف والحكمة في النسخ ان الطبيب المباشر لاصلاح البدن يغير الاغذية والادوية بحسب اختلاف الامزجة والازمنة كذلك الأنبياء المباشرون لاصلاح النفوس يغيرون الأعمال الشرعية والاحكام الخلقية التي هي للنفوس بمنزلة العقاقير والاغذية للابدان فان اغذية النفوس وادويتها هي الأعمال الشرعية والأخلاق المرضية فيغيرها الشارع على حسب تغير مصالحها فكما ان الشيء يكون دواء للبدن في وقت ثم قد يكون داء في وقت آخر كذلك الأعمال قد تكون مصلحة في وقت ومفسدة في وقت وقس عليه حال المرشد والمسترشد فان التربية على القاعدة التسليكية بحسب احوال المشارب ولا يلقاها من المرشدين الا ذو حظ عظيم: قال في المثنوى

رمز ننسخ آية او ننسها ... نأت خيرا در عقب مى دان مها [٢]

هر شريعت را كه حق منسوخ كرد ... او كيا برد وعوض آورده ورد

اندرين شهر حوادث مير اوست ... در ممالك مالك تدبير اوست

آنكه داند دوخت او داند دريد ... هر چهـ را بفروخت نيكوتر خريد

<<  <  ج: ص:  >  >>