من ان يسبح ويقدس ويصلى له فيها وَسَعى اى عمل فِي خَرابِها بالهدم والخراب اسم للتخريب كالسلام اسم للتسليم وأصله الثلم والتفريق أُولئِكَ المانعون ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ اى ما كان ينبغى لهم ان يدخلوها الا بخشية وخضوع فضلا عن الاجتراء على تخريبها لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ اى خزى فظيع لا يوصف كالقتل والسبي في حق اهل الحرب والاذلال بضرب الجزية في حق اهل الذمة او هو فتح مدائنهم قسطنطينية ورومية وعمورية وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو عذاب النار الذي لا ينقطع لما ان سببه ايضا وهو ما حكى من ظلمهم كذلك في العظم وقيل نزلت الآية فى مشركى العرب الذين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء الى الله تعالى بمكة والجأوه الى الهجرة فصاروا بذلك مانعين له عليه السلام ولاصحابه ان يذكروا الله في المسجد الحرام وايضا انهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن المسجد الحرام حين ذهب اليه من المدينة عام الحديبية وهي السنة السادسة من الهجرة والحديبية موضع على طريق مكة فعلى هذا يكون المسجد الذي نزلت الآية فيه المسجد الحرام فالمراد بالخراب في قوله وسعى فى خرابها تعطيلهم المسجد الحرام عن الذكر والعبادة دون تخريبه وهدمه حقيقة وجعل تعطيل المسجد عنهما تخريبا له لان المقصود من بنائه انما هو الذكر والعبادة فيه فمادام لم يترتب عليه هذا المقصود من بنائه صار كأنه هدم وخرب او لم يبن من أصله فان عمارة المسجد كما تكون ببنائه وإصلاحه تكون ايضا بحضوره ولزومه يقال فلان يعمر مسجد فلان إذا كان يحضره ويلزمه ويقال لسكان السموات من الملائكة عمارها قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالايمان) وذلك لقوله تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فجعل حضور المساجد عمارة لها قال على رضي الله عنه ست من المروءة ثلاث في الحضر وثلاث فى السفر فاما اللاتي في الحضر فتلاوة كتاب الله تعالى وعمارة مسجد الله واتخاذ الاخوان فى الله واما اللاتي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير معاصى الله وعد من علامات الساعة تطويل المنارات وتنقيش المساجد وتزيينها وتخريبها عن ذكر الله تعالى فتعطيل المساجد عن الصلاة والتلاوة واظهار شعائر الإسلام أقبح سيئة لا سيما إذا اقترن بفتح أبواب بيوت الخمر وإغلاق أبواب المكاتب وغير ذلك ولقد شوهد هذا في اكثر البلاد الرومية فى هذا الزمان فلنبك على غربة الدين ايها الاخوان قال القشيري رحمه الله ومن اظلم ممن حرب بالشهوات أوطان العبادات وهي نفوس العابدين وخرب بالمنى والعلاقات أوطان المعرفة وهي قلوب العارفين وخرب بالحظوظ والمساكنات أوطان المحبة وهي أرواح الواجدين وخرب بالتفات الى القربات أوطان المشاهدات وهي أوطان الموحدين ثم في الآية اشارة الى شرف بيت المقدس والمسجد الحرام وفي
الحديث (من زار بيت المقدس محتسبا أعطاه الله ثواب الف شهيد وحرم الله جسده على النار ومن زار عالما فكأنما زار بيت المقدس) كذا في مشكاة الأنوار وذكر في القنية ان أعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع فانها أخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها