بسيئته فهو فى الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه وتضرر بسيئته فان جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل لازم له وانما الذي يصل الى من يشفع جزاء شفاعته لا جزاء اصل الحسنة والسيئة وكذلك جزاء الضلال مقصور على الضالين وما يحمله المضلون انما هو جزاء الإضلال لا جزاء الضلال وقوله وَلا تَزِرُ إلخ تأكيد للجملة الثانية وانما خص بها قطعا للاطماع الفارغة حيث كانوا يزعمون انهم لم يكونوا على الحق فالتبعة على أسلافهم الذين قلدوهم والتبعة ما يترتب على الشيء من المضرة ويتفرع عليه من العقوبة وقال الكاشفى [وليد بن مغيره كافرانرا ميگفت متابعت من كنيد ومن گناهان شما را بردارم حق سبحانه وتعالى ميفرمايد كه هر نفسى بار خود خواهد برداشت نه بار ديگرى] هذا وقد قال بعضهم المراد بالكتاب نفسه المنتقشة بآثار اعماله فان كل عمل يصدر من الإنسان خيرا او شرا يحدث منه فى جوهر روحه اثر مخصوص الا ان ذلك الأثر يخفى مادام الروح متعلقا بالبدن مشتغلا بواردات الحواس والقوى فاذا انقطعت علاقته عن البدن قامت قيامته لان النفس كانت ساكنة مستقرة فى الجسد وعند ذلك قامت وتوجهت نحو الصعود الى العالم العلوي فيزول الغطاء وينكشف الأحوال ويظهر على لوح النفس نقش كل شىء عمله فى مدة عمره وهذا معنى الكتابة والقراءة بحسب العقل وانه لا ينافى ما ورد فى النقل بل يؤيد هذا المعنى ما روى عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن فى الدنيا قارئا ثم المراد بالقيامة على هذا التفصيل هى القيامة الصغرى لكن هذا الكلام أشبه بقواعد الفلسفة كما فى حواشى سعدى المفتى يقول الفقير لا يخفى ان الآخرة جامعة للصورة والمعنى فللانسان صحيفتان صحيفة عمله التي هى الكتاب وصحيفة نفسه فكل منهما ناطق عن عمله وحاله كما قال فى التأويلات النجمية يجوز ان يكون هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها نسخة نسخها الكرام الكاتبون بقلم اعماله فى صحيفة أنفاسه من الكتاب الطائر الذي فى عنقه ولهذا يقال له اقْرَأْ كِتابَكَ اى كتابتك التي كتبتها كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً فان نفسك مرقومة بقلم أعمالك اما بر قوم السعادة او بر قوم الشقاوة من اهتدى الى الأعمال الصالحة فانما يهتدى لنفسه فيرقمها بر قوم السعادة ومن ضل عنها بالأعمال الفاسدة فانما يضل عليها فيرقمها بر قوم الشقاوة وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى اى لا يرقم راقم بقلم أوزاره نفس غيره وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ اى وما صح وما استقام منا بل استحال فى عادتنا المبنية على الحكم البالغة ان نعذب أحدا من اهل الضلال والأوزار اكتفاء بقضية العقل حَتَّى نَبْعَثَ إليهم رَسُولًا يهديهم الى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحجج ويمهد الشرائع قطعا للمعذرة وإلزاما للحجة وفيه دلالة على ان البعثة واجبة لا بمعنى الوجوب على الله بل بمعنى ان قضية الحكمة تقتضى ذلك لما فيه من المصالح والحكم
والمراد بالعذاب المنفي هو العذاب الدنيوي وهو من مقدمات العذاب الأخروي فجوزوا على الكفر والمعاندة بالعذاب فى الدارين وما بينهما ايضا وهو البرزخ والبعث غاية لعدم صحة وقوعه فى وقته المقدر له لا لعدم وقوعه مطلقا كيف لا والأخروي لا يمكن وقوعه عقيب البعث والدنيوي ايضا لا يحصل الا بعد تحقق ما يوجبه من الفسق