ضيافة قالت نعم فجاءت باللبن واللحم وسألها عن عيشهم قالت نحن في خير وسعة فدعا لهما بالبركة ولو جاءت يومئذ بخبز برّ او شعير او تمر لكانت اكثر ارض الله برّا او شعيرا او تمرا وقالت له انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه وهو راكب فغسلت شق رأسه الايمن ثم حولته الى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقى اثر قدميه عليه وقال لها إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولى له قد استقامت عتبة بابك فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم جاء شيخ احسن الناس وجها وأطيبهم ريحا فقال لى كذا وكذا وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه فقال ذاك ابراهيم وأنت عتبة بابى أمرني ان امسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبرى نبلا تحت دوحة قريبة من زمزم فلما رآه قام اليه فصنع كما يصنع الولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل
ان الله أمرني بامر أتعينني عليه قال أعينك عليه قال أمرني ان ابني هاهنا بيتا فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتى بالحجارة وابراهيم يبنى فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام ابراهيم على حجر المقام وهو يبنى وإسماعيل يناوله الحجر وهما يقولان رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثم لما فرغ من بناء الكعبة قيل له اذن في الناس بالحج فقال كيف أنادي وانا بين الجبال ولم يحضرنى أحد فقال الله عليك النداء وعليّ البلاغ فصعد أبا قبيس وصعد هذا الحجر وكان قد خبئ في ابى قبيس ايام الطوفان فارتفع هذا الحجر حتى علا كل حجر في الدنيا وجمع الله له الأرض كالسفرة فنادى يا معشر المسلمين ان ربكم بنى لكم بيتا وأمركم ان تحجوه فأجابه الناس من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات فمن اجابه مرة حج مرة ومن اجابه عشرا حج عشرا وفي الحديث (ان الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ولولا مماسة أيدي المشركين لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) والمراد منهما الحجر الأسود والحجر الذي قام عليه ابراهيم عند بناء البيت وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ اى امرناهما امرا مؤكدا ووصينا إليهما فان العهد قد يكون بمعنى الأمر والوصية يقال عهد اليه اى امره ووصاه ومنه قوله تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ وانما سمى إسماعيل لان ابراهيم كان يدعو الى الله ان يرزقه ولدا ويقول اسمع يا ايل وايل هو الله فلما رزق سماه به أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ اى بان طهراه من الأوثان والأنجاس وما يليق به والمراد احفظاه من ان ينصب حوله شىء منها واقراه على طهارته كما في قوله تعالى وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ فانهن لم يطهرن من نجس بل خلقهن طاهرات كقولك للخياط وسع كم القميص فانك لا تريد ان تقول ازل ما فيه من الضيق بل المراد اصنعه ابتداء واسع الكم لِلطَّائِفِينَ الزائرين حوله وَالْعاكِفِينَ المجاورين الذين عكفوا عنده اى أقاموا لا يرجعون وهذا في اهل الحرم والاول في الغرباء القادمين الى مكة للزيارة والطواف وان كان لا يختص بهم الا ان له مزيد اختصاص بهم من حيث ان مجاوزة الميقات لا تصح لهم الا بالإحرام وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ اى المصلين جمع راكع وساجد لان القيام والركوع والسجود من هيآت المصلى ولتقارب الركوع والسجود ذاتا وزمانا ترك العاطف بين موصوفيهما والجلوس في المسجد الحرام ناظرا الى الكعبة من جملة العبادات