للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يخلو عن شبهة فى هذا الزمان مع ان الاستناد الى الرزق المعلوم ينافى التوكل التام ولذا لم يأكل كثير من اهل الحق ربح المال الموقوف بل أكلوا مما فتح الله عليهم من الصدقات الطيبة من غير حركة ذهنية منهم فضلا عن الحركة الحسية نعم أكل بعضهم من كسب يده قال الحافظ

فقيه مدرسه دى مست بود وفتوى داد ... كه مى حرام ولى به ز مال اوقافست

غلط الشراح فى شرح هذا البيت وأقول تحقيقه ان قوله «ولى به» من كلام الحافظ لا من كلام المفتى. يعنى ان الفقيه كان سكران من شراب الغفلة وحب الدنيا والاعتماد على مال المدرسة ولذا أنكر اهل حال العشق وجعل شرابهم الذي هو العشق حراما ولكن ليس الأمر كما قال فانه اولى من مال الوقف. يعنى ان العشق والتوكل التام اللذين عليهما محققوا الصوفية أفضل من الزهد والاكل من مال الوقف اللذين عليهما فقهاء العصر وعلماؤه فالانكار يتعلق بالفقيه المعتمد لا بالعاشق المتوكل قال العلماء كان الأنبياء عليهم السلام يحترفون بالحرف ويكتسبون بالمكاسب. فقد كان إدريس خياطا. وقد كان اكثر عمل نبينا عليه السلام فى بيته الخياطة وفى الحديث (عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء الغزل) كما فى روضة الاخبار وفى الحديث (علموا بنيكم السباحة والرمي ولنعم لهو المؤمنة مغزلها وإذا دعا أبوك وأمك فاجب أمك) كما فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الحديث (صرير مغزل المرأة يعدل التكبير فى سبيل الله والتكبير فى سبيل الله أثقل فى الميزان من سبع سموات وسبع ارضين) وفى الحديث (المغزل فى يد المرأة الصالحة كالرمح فى يد الغازي المريد به وجه الله تعالى) كما فى مجمع الفضائل. وكان نوح نجارا. وابراهيم بزازا وفى الحديث (لو اتجر اهل الجنة لا تجروا فى البز ولو اتجر اهل النار لا تجروا فى الصرف) كذا فى الاحياء. وداود زرادا. وآدم زراعا وكان أول من حاك ونسج أبونا آدم قال كعب مرت مريم فى طلب عيسى بحاكة فسألت عن الطريق فارشدوها الى غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وأمتهم فقراء وحقرهم فى أعين الناس فاستجيب دعاؤها ولذا قيل لا تستشيروا الحاكة فان الله سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم. وكان سليمان يعمل الزنبيل فى سلطته ويأكل من ثمنه ولا يأكل من بيت المال. وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة فانه عليه السلام آجر نفسه قبل النبوة فى رعى الغنم وقال (وما من نبى الا وقد رعاها) ومن حكمة الله فى ذلك ان الرجل إذا استرعى الغنم التي هى أضعف البهائم سكن قلبه الرأفة واللطف تعطفا فاذا انتقل من ذلك الى رعاية الخلق كان قد هرب اولا من الحدة الطبيعية والظلم الغريزي فيكون فى اعدل الأحوال وحينئذ لا ينبغى لاحد عير برعاية الغنم ان يقول كان النبي عليه السلام يرعى الغنم فان قال ذلك ادّب لان ذلك كما علمت كمال فى حق الأنبياء دون غيرهم فلا ينبغى الاحتجاج به ويجرى ذلك فى كل ما يكون كما لا فى حقه عليه السلام دون غيره كالامية فمن قيل له أنت أمي فقال كان عليه السلام اميا يؤدب كما فى انسان العيون يقول الفقير فقول السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية

<<  <  ج: ص:  >  >>