وان قصة الافك وان كانت فى صورة القهر كانت فى حق النبي عليه السلام وفى حق عائشة وأبويها وجميع الصحابة ابتلاء وامتحانا لهم وتربية وتهذيبا فان البلاء للولاء كاللهب للذهب كما قال عليه السلام (ان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالامثل) وقال عليه السلام (يبتلى الرجل على قدر دينه) فان الله غيور على قلوب خواص عباده المحبوبين فاذا حصلت مساكنة بعضهم الى بعض يجرى الله تعالى ما يرد كل واحد منهم عن صاحبه ويرده الى حضرته وان النبي عليه السلام لما قيل له أي الناس أحب إليك قال (عائشة فساكنها) وقال (يا عائشة حبك فى قلبى كالعقدة) وفى بعض الاخبار ان عائشة قالت يا رسول الله انى أحبك وأحب قربك فاجرى الله تعالى حديث الافك حتى رد رسول الله قلبه عنها الى الله بانحلال عقدة حبها عن قلبه وردت عائشة قلبها عنه الى الله حيث قالت لما ظهرت براءة ساحتها نحمد الله لا نحمدك فكشف الله غيابة تلك المحبة وأزال الشك واظهر براءة ساحتها حين أدبهم وهذبهم وقربهم وزاد فى رفعة درجاتهم وقرباتهم قال فى الحكم العطائية وشرحها قال ابو بكر الصديق رضى الله
عنه لعائشة رضى الله عنها لما نزلت براءتها من الافك على لسان رسول الله عليه السلام يا عائشة اشكرى رسول الله نظرا منه لوجه الكمال لها فقالت لا والله لا اشكر الا الله رجوعا منها الى اصل التوحيد إذ لم يسع غيره فى تلك الحال قلبها دلها ابو بكر فى ذلك على المقام الأكمل عند الصحو وهو مقام البقاء بالله المقتضى لاثبات الآثار وعمارة الدارين التزاما لحق الحكم والحكمة وقد قال تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) فقرن شكرهما بشكره إذ هما اصل وجودك المجازى كما ان اصل وجودك الحقيقي فضله وكرمه فله حقيقة الشكر كما له حقيقة النعمة ولغيره مجازه كما لغيره مجازها وقال عليه السلام (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) فجعل شكر الناس شرطا فى صحة شكره تعالى او جعل ثواب الله على الشكر لا يتوجه الا لمن شكر عباده وكانت هى يعنى عائشة فى ذلك الوقت لا فى عموم أوقاتها مصطلمة اى مأخوذة عن شاهدها فلم يكن لها شعور بغير ربها غائبة عن الآثار لما استولى عليها من سلطان الفرح لمنة المولى عليها فلم تشهد الا الواحد القهار من غير اعتبار لغيره وهكذا هو أكمل المقامات فى حالها وهو مقام أبينا ابراهيم عليه السلام إذ قال حسبى من سؤالى علمه بحالي والله المسئول فى إتمام النعمة وحفظ الحرمة والثبات لمرادات الحق بالآداب اللائقة بها وهو حسبنا ونعم الوكيل ثم قال فى التأويلات النجمية الطريق الى الله طريقان طريق اهل السلامة وطريق اهل الملامة فطريق اهل السلامة ينتهى الى الجنة ودرجاتها لانهم محبوسون فى حبس وجودهم وطريق اهل الملامة ينتهى الى الله تعالى لان الملامة مفتاح باب حبس الوجود وبها يذوب الوجود ذوبان الثلج بالشمس فعلى قدر ذوبان الوجود يكون الوصول الى الله تعالى فاكرم الله تعالى عائشة بكرامة الملامة ليخرجها بها من حبس الوجود بالسلامة وهذا يدل على ولايتها لان الله تعالى إذا تولى عبدا يخرجه من ظلمات وجوده المخلوقة الى نور القدم كما قال تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) انتهى: قال الحافظ قدس سره
وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن