وفى الآية معان اخر والأظهر عند المحققين ما ذكرناه فَقَدْ كَذَّبْتُمْ بيان لحال الكفرة من الناس اى فقد كذبتم ايها الكفرة بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وخرجتم عن ان يكون لكم عنه الله اعتناء بشأنكم واعتبار او وزن ومقدار فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً مصدر كالقتال أقيم مقام الفاعل كما يقام العدل فى مقام العادل اى يكون جزاء التكذيب او اثره وهو الافعال المتفرعة عليه لازما يحيق بكم لا محالة حتى يكبكم فى النار اى يصرعكم على وجوهكم كما يعرب عنه الفاء الدالة على لزوم ما بعدها لما قبلها وانما أضمر من غير ذكر للايذان بغاية ظهوره وتهويل امره للتنبيه على انه مما لا يكتنهه الوصف والبيان وعن بعضهم ان المراد بالجزاء جزاء الدنيا وهو ما وقع يوم بدر قتل منهم واسر سبعون ثم
اتصل به عذاب الآخرة لازما لهم: قال الشيخ سعدى قدس سره
رطب ناورد چوب خر زهره بار ... چهـ تخم افكنى بر همان چشم دار
واعلم ان الكفار أبطلوا الاستعداد الفطري وأفسدوا القوى بالإهمال فكان حالهم كحال النوى فانه محال ان ينبت منه الإنسان تفاحا فاصل الخلق والقوة لا يتغير البتة ولكن كما ان فى النوى إمكان ان يخرج ما فى قوته الى الوجود وهو النخل بالتفقد والتربية وان يفسد بالإهمال والترك فكذا فى الإنسان إمكان إصلاح القوة وإفسادها ولولا ذلك لبطل فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهى ولا يجوز العقل ان يقال للعبد لم فعلت ولم تركت وكيف يكون هذا فى الإنسان ممتنعا وقد وجدناه فى بعض البهائم ممكنا فالوحشى قد ينتقل بالعادة الى التأنس والجامح الى السلاسة فالتوحيد والتصديق والطاعة امر ممكن من الإنسان بازالة الشرك والتكذيب والعصيان وقد خلق لاجلها كما قال ابن عباس رضى الله عنهما فى الآية قل ما يعبأ بخلقكم ربى لولا عبادتكم وطاعتكم إياه. يعنى انه خلقكم لعبادته كما قال (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالحكمة الالهية والمصلحة الربانية من الخلق هى الطاعة وافعال الله تعالى وان لم تكن معللة بالأغراض عند الاشاعرة لكنها مستتبعة لغايات جليلة قال الامام الراغب الإنسان فى هذه الدار الدنيا كما قال امير المؤمنين على بن ابى طالب كرم الله وجهه الناس سفر والدار دار ممرّ لا دار مقر وبطن امه مبدأ سفره والآخرة مقصده وزمان حياته مقدار مسافته وسنوه منازله وشهوره فراسخه وأيامه امياله وأنفاسه خطاه ويسار به سير السفينة براكبها كما قال الشاعر
رأيت أخا الدنيا وان كان ثاويا ... أخا سفر يسرى به وهو لا يدرى
وقد دعى الى دار السلام لكن لما كان الطريق إليها مشكلة مظلمة جعل الله لنا من العقل الذي ركبه فينا وكتبه التي أنزلها علينا نورا هاديا ومن عبادته التي كتبها علينا وأمرنا بها حصنا واقيا فمن قال هذه الطاعات جعلها الله عذابا علينا من غير تأويل كفر فان اوّل مراده بالتعب لا يكفر ولو قال لو لم يفرض الله تعالى كان خيرا لنا بلا تأويل كفر لان الخير فيما اختاره الله الا ان يؤول ويريد بالخير الأهون والأسهل نسأل الله ان يسهلها علينا فى الباطن والظاهر والاول والآخر