فى الالف من الم ثم افتتح سورة البقرة فاقول الم ولما وعد الله ذلك في التوراة وأنزله على محمد عليه السلام جحدت اليهود لعنهم الله ان يكون هذا ذلك فقال تعالى ذلك الكتاب كما في تفسير التيسير ولهذه الآية وجوه اخر من الاعراب ذكرت في التفاسير فلتطلب ثمة لا رَيْبَ كائن فِيهِ فقوله ريب اسم لا وفيه خبرها وهو في الأصل من رابنى الشيء إذا حصل فيك الريبة وهي قلق النفس واضطرابها سمى به الشك لانه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة وفي الحديث (دع ما يريبك الى ما لا يريبك) فان الشك ريبة والصدق طمأنينة ومنه ريب الزمان لنوائبه وفي التفسير المسمى بالتيسير الريب شك فيه خوف وهو أخص من الشك فكل ريب شك وليس كل شك ريبا والشك هو التردد
بين النقيضين لا ترجيح لاحدهما على الآخر عند الشاك ولم يقدم الظرف على الريب لئلا يذهب الفهم الى ان كتابا آخر فيه الريب لا فيه فان قلت الكفار شكوا فيه فلم يقروا بكتاب الله تعالى والمبتدعون ممن اهل القبلة شكوا في معانى متشابهه فاجروها على ظاهرها وضلوا بها والعلماء شكوا فى وجوهه فلم يقطعوا القول على وجه منها والعوام شكوا فيه فلم يفهموا معانيه فما معنى نفى الريب عنه فالجواب ان هذا نفى الريب عن الكتاب لا عن الناس والكتاب موصوف بانه لا يتمكن فيه ريب فهو حق صدق معلوم ومفهوم شك فيه الناس او لم يشكوا كالصدق صدق فى نفسه وان وصفه الناس بالكذب والكذب كذب وان وصفه الناس بالصدق فكذا الكتاب ليس مما يلحقه ريب او يتمكن فيه عيب ويجوز ان يكون خبرا في معنى الأمر ومعناه لا ترتابوا كقوله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ المعنى لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا كما في الوسيط والعيون هُدىً اى هو رشد وبيان لِلْمُتَّقِينَ اى للضالين المشارفين التقوى الصائرين إليها ومثله حديث (من قتل قتيلا فله سلبه) وفي تفسير الإرشاد أي المتصفين بالتقوى حالا او مآلا وتخصيص الهدى بهم لما انهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بآثاره وان كان ذلك شاملا لكل ناظر من مؤمن وكافر وبذلك الاعتبار قال تعالى هُدىً لِلنَّاسِ اى كلهم بيانا وهدى للمتقين على الخصوص إرشادا قال في التيسير وكذلك يقال فى كل من انتفع بشئ دون غيره انه لك على الخصوص اى أنت المنتفع به وحدك وليس في كون بعض الناس لم يهتدوا ما يخرجه من ان يكون هدى فالشمس شمس وان لم يرها الضرير والعسل عسل وان لم يجد طعمه الممرور والمسك مسك وان لم يدرك طيبه المأنوف فالخيبة كل الخيبة لمن عطش والبحر زاخر وبقي في الظلمة والبدر زاهر وخبث والطيب حاضر وذوى والروض ناظر والحسرة كل الحسرة لمن عصى وفسق والقرآن ناه آمر وفارق الرغبة والرهبة والوعد متواتر والوعيد متظاهر ولذلك قال تعالى وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ والمتقى اسم فاعل من باب الافتعال من الوقاية وهي فرط الصيانة قال البغوي هو مأخوذ من الاتقاء وأصله الحاجز بين الشيئين ومنه يقال اتقى بترسه اى جعله حاجزا بين نفسه وبين ما يقصده وفي الحديث كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم اى إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو فكان المتقى يجعل امتثال امر الله والاجتناب عما نهاه حاجزا بينه وبين العذاب والتقوى في عرف الشرع عبارة عن كمال التوقي عما يضره في الآخرة وله ثلاث مراتب الاولى