فتألمت والدتي وقالت قطع الله رجل الا بعد كما قطعت رجله فلما رحلت الى بخارى لطلب العلم سقطت من الدابة فانكسرت رجلى وقيل أصابه البرد فى الطريق فسقطت رجله وكان يمشى بخشب كذا فى روضة الاخبار ويجب على الأبوين ان لا يحملا الولد على العقوق بسبب الجفاء وسوء المعاملة ويعيناه على البر. فمن البر وهما حيان ان ينفق عليهما ويمتثل أمرهما فى الأمور المشروعة ويجامل فى معاملتهما. ومن البر بعد موتهما التصدق لهما وزيارة قبرهما فى كل جمعة والدعاء لهما فى ادبار الصلاة وتنفيذ عهودهما ووصاياهما ونحو ذلك وفى التأويلات (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) يشير الى تعظيم الحق تعالى وعظم شأنه وعزة الأنبياء وإعزازهم وعرفان قدر المشايخ وإكرامهم لان الأمر برعاية حق الوالدين لمعنيين أحدهما انهما كانا سبب وجود الولد والثاني ان لهما حق التربية فكلا المعنيين فى انعام الحق تعالى على العباد حاصل بأعظم وجه وأجل حق منهما لان حقهما كان مشوبا بحظ نفسهما وحق الحق تعالى منزه عن الشوب وانهما وان كانا سبب وجود الولد لم يكونا مستقلين بالسببية بغير الحق تعالى وإرادته لانهما كانا فى السببية محتاجين الى مشيئته وإرادته بان يجعلهما سببا لوجود الولد فان الولد لا يحصل بمجرد تسببهما بالنكاح بل يحصل بموهبة الله تعالى كما قال تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) الآية فالسبب الحقيقي فى إيجاد الولد هو الله تعالى فان شاء يوجده بواسطة تسبب الوالدين وان شاء بغير تسببهما كايجاد آدم عليه السلام واما التربية فنسبتها الى الله تعالى حقيقية فانه رب كل شىء ومربيه والى الوالدين مجازية لان صورة التربية إليهما وحقيقة التربية الى الله تعالى كما ربى نطف الولد فى الرحم حتى جعله علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كساه اللحم ثم انشأه حلقا آخر فالله تبارك وتعالى أعظم قدرا فى رعاية حقوقه بالعبودية من رعاية حق الوالدين لاحسان وان الواجب على العبد ان يخرج من عهدة حق العبودية بالإخلاص اولا ثم يحسن بالوالدين كما قال تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) واما النبي والشيخ فكانا سبب الولادة الثانية بإلقاء نطفة النبوة والولاية فى رحم قلب الامة والمريد وتربيتها الى ان يولد الولد عن رحم القلب فى عالم الملكوت كما اخبر النبي عليه السلام رواية عن عيسى عليه السلام انه قال (لن يلج ملكوت السموات والأرض الا من يولد مرتين) وكانا سبب ولادته فى عالم الأرواح وأعلى عليين القرب والولدان كانا سبب ولادته فى عالم الأشباح وأسفل سافلين البعد ولهذا السر كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم (انما انا لكم كالوالد لولده) وقد كانت أزواجه أمهات للامة وقد قال عليه السلام (الشيخ فى قومه كالنبى فى أمته) ولما كان الله تعالى فى الإحسان العميم بالعبد والامتنان القديم الذي خصه به قبل وبعد أحق واولى برعاية حقوقه عن والديه قال تعالى (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) وفيه اشارة الى ان المريد الصادق والطالب العاشق إذا تمسك بذيل ارادة شيخ كامل ودليل واصل بصدق الارادة وعشق الطلب بعد خروجه عن الدنيا بتركها بالكلية عن جاهها ومالها وقد سعى بقدر الوسع فى قطع تعلقات تمنعه