فى الموقف إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه فامر النبي عليه السلام أبا بكر رضي الله تعالى عنه ان يخرج بالناس جميعا الى عرفات فيقف بها- روى- ان الله تعالى يباهى ملائكته باهل عرفات ويقول (انظروا الى عبادى جاؤا من كل فج عميق شعثا غبرا اشهدوا انى غفرت لهم) ويروى ان الشيطان ما رؤى في يوم هو أصغر واحقر وأذل منه يوم عرفة وما ذلك الا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إذ يقال ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الا الوقوف بعرفة وفي الحديث (أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن ان الله تعالى لا يغفر له) والحجة الواحدة أفضل من عشرين غزوة في سبيل الله وقيل ان البعير إذا حج عليه مرة بورك في أربعين من أمهاته وإذا حج عليه سبع مرات كان حقا على الله ان يرعاه في رياض الجنة ومصداق ذلك ما قال النهرانى رحمه الله بلغني ان وقاد تنور حمام اتى بسلسلة عظام حمل ليوقدها قال فألقيتها في المستوقد فخرجت منه فألقيتها فعادت فخرجت فعدت فألقيتها الثالثة فعادت فخرجت بشدة حتى وقعت في صدرى وإذا بصوت هاتف يقول ويحك هذه عظام جمل قد سعى الى مكة عشر مرات كيف تحرقها بالنار وإذا كانت هذه الرأفة والرحمة بمطية الحاج فكيف به ثم ان الفضل على ثلاثة اقسام بالنسبة الى احوال العبد فان التنوع راجع الى تغيير احوال العباد لا الى تغيير صفة من صفات الحق تعالى. فالاول منها ما يتعلق بالمعاش الإنساني من المال والجاه ونوع يتعلق بالغذاء واللباس الضروري وهذا الفضل مفسر بالرزق قال الله تعالى وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.
والثاني منها ما يتعلق بالمصالح الاخروية للعبد وهو نوعان ما يتعلق باعمال البدن على وفق الشرع ومتابعة الشارع ومجانبة طريق الشيطان المنازع قال تعالى يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وما يتعلق باعمال القلب وتزكية النفس قال تعالى وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً. والقسم الثالث منها ما يتعلق بالله تعالى وهو نوعان ما يتعلق بمواهب القربة قال تعالى وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً اى قربا كبيرا فانه اكبر من الدنيا والآخرة وما يتعلق بمواهب الوصلة قال تعالى ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يعنى فضل مواهب الوصلة أعظم من الكل ولكل قسم من هذه الاقسام الثلاثة مقام في الابتغاء. اما الذي يتعلق بالمصالح الاخروية وهو فضل الرحمة فمقام ابتغائه بترك الموجود وبذل المجهود وهو فى السير الى عرفات. واما الذي يتعلق بالله وهو فضل المواهب فمقام ابتغائه عند الوقوف بعرفات وعرفات اشارة الى المعرفة وهي معظم اركان الوصلة. واما الذي يتعلق بالمصالح الدنيوية وهو فضل الرزق فمقام ابتغائه بعد استكمال الوقوف بعرفات المعرفة عند الافاضة. ففى الآية تقديم وتأخير اى إذا أفضتم من عرفات فليس عليكم إلخ وذلك لان حال اهل السلوك في البداية ترك الدنيا والتجريد عنها. وفي الوسط التوكل والتفريد. وفي النهاية المعرفة والتوحيد فلا يسلم الشروع في المصالح الدنيوية الا لاهل النهاية لقوتهم في المعرفة وعلو همتهم بان يطهر الله قلوبهم من رجز حب الدنيا الدنية ويملأها نورا بالالطاف الخفية فلا اعتبار للدنيا وشهواتها ونعيم الآخرة ودرجاتها عند الهمم العالية فلا يتصرفون في شىء منها وتصرفهم بالله وفي الله ولله لا لحظوظ النفس بل لمصالح الدين وإصابة الخير الى الغير كذا في التأويلات النجمية: قال في المثنوى