من ذى الحجة يستقر الناس فيه بمنى. والثاني يوم النفر الاول لان بعض الناس ينفرون في هذا اليوم من منى. والثالث يوم النفر الثاني وهذه الأيام الثلاثة مع يوم النحر ايام رمى الجمار وايام التكبير ادبار الصلوات وفي الحديث (كبر دبر كل صلاة من يوم عرفة الى آخر ايام التشريق) وسميت معدودات لقلتهن كقوله تعالى دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ اى قليلة. والأيام المعلومات في قوله تعالى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فى ايام معلومات في سورة الحج عشر ذى الحجة آخرهن يوم النحر وفي الكواشي معدودات جمع معدودة وايام جمع يوم ولا ينعت المذكر بمؤنث فلا يقال يوم معدودة وقياسه فى ايام معدودة لان الجمع قد ينعت بالمؤنث كقوله تعالى لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قالوا ووجهه انه اجرى معدودات على لفظ ايام وقابل الجمع بالجمع مجازا انتهى فَمَنْ تَعَجَّلَ اى استعجل
وطلب الخروج من منى فِي يَوْمَيْنِ فى تمام يومين بعد يوم النحر واكتفى برمى الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة فلم يمكث حتى يرمى في اليوم الثالث فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ بهذا التعجيل وهو مرخص له فعند ابى حنيفة رحمه الله ينفر قبل طلوع الفجر من اليوم الثالث ومحصله ان على الحاج ان يبيت بمنى الليلة الاولى والثانية من ايام التشريق ويرمى كل يوم بعد الزوال احدى وعشرين حصاة عند كل جمرة سبع حصيات ورخص في ترك البيتوتة لرعاء الإبل واهل سقاية الحاج ثم كل من رمى اليوم الثاني من ايام التشريق وأراد ان ينفر بعد البيتوتة في الليلة الاولى والثانية من ايام التشريق ورمى يوميهما فذلك له واسع لقوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه ان يبيت حتى يرمى اليوم الثالث ثم ينفر وَمَنْ تَأَخَّرَ عن الخروج حتى رمى في اليوم الثالث قبل الزوال او بعده ثم يخرج إذا فرغ من رمى الجمار كما يفعل الناس الآن وهو مذهب الشافعي والإمامين فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ بترك الترخص والمعنى انهم مخيرون بين التعجيل والتأخير فان قلت أليس التأخير بأفضل قلت بلى ويجوز ان يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار وان كان الصوم أفضل وانما أورد بنفي الإثم تصريحا بالرد على اهل الجاهلية حيث كانوا فريقين منهم من جعل المتعجل آثما ومنهم من جعل المتأخر آثما فورد القرآن بنفي الإثم عنهما جميعا لِمَنِ اتَّقى خبر مبتدأ محذوف اى الذي ذكر من التخيير ونفى الإثم عن المتعجل والمتأخر لمن اتقى اى مختص بمن اتقى المناهي لانه الحاج على الحقيقة والمنتفع به لانه تعالى قال إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ومن كان ملوثا بالمعاصي قبل حجه وحين اشتغاله به لا ينفعه حجه وان كان قدادى الفرائض ظاهرا وَاتَّقُوا اللَّهَ اى حال الاشتغال باعمال الحج وبعده ليعتد بأعمالكم فان المعاصي تأكل الحسنات عند الموازنة وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ اى تبعثون وتجمعون للجزاء على أعمالكم وهو تأكيد للامر بالتقوى وموجب للامتثال به فان علم بالحشر والمحاسبة والجزاء كان ذلك من أقوى الدواعي الى ملازمة التقوى وكانوا إذا رجعوا من حجهم يجترئون على الله بالمعاصي فشدد في تحذيرهم قال ابو العالية يجيئ الحاج يوم القيامة ولا اثم عليه إذا اتقى فيما بقي من عمره فلم يرتكب ذنبا بعد ما غفر له في الحج والمذنب المصر إذا حج فلا يقبل منه لعوده الى ما كان عليه فعلامة الحج المبرور ان يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة فاذا