ما أنشدكم وانصح لكم الا بخصلة واحدة هى أَنْ تَقُومُوا من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتفرقوا من مجمعكم عنده فالقيام على حقيقته بمعنى القيام على الرجلين ضد الجلوس ويجوز ان يكون بمعنى القيام بالأمر والاهتمام بطلب الحق لِلَّهِ لاجله تعالى ورضاه لا للمراء والرياء والتقليد حال كونكم متفرقين مَثْنى اثنين اثنين وَفُرادى واحدا واحدا قال الراغب الفرد الذي لا يختلط به غيره فهو أعم من الوتر وأخص من الواحد وجمعه فرادى انتهى وفى المختار الفرد الوتر وجمعه افراد وفرادى بالضم على غير القياس كأنه جمع فردان ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا التفكر طلب المعنى بالقلب: يعنى [تفكر جست وجوى دلست در طلب معنى] اى تتفكروا فى امره صلى الله عليه وسلم فتعلموا ما نافية بِصاحِبِكُمْ المراد الرسول عليه السلام مِنْ جِنَّةٍ اى جنون يحمله على دعوى النبوة العامة كما ظننتم وفائدة التقييد بالاثنين والفرادى ان الاثنين إذا التجئا الى الله تعالى وبحثا طلبا للحق مع الانصاف هديا اليه وكذا الواحد إذا تفكر فى نفسه مجردا عن الهوى بخلاف كثرة الجمع فانه يقل فيها الانصاف غالبا ويكثر الخلاف ويثور غبار الغضب ولا يسمع الا نصرة المذهب. وفى تقديم مثنى إيذان بانه أوفق واقرب من الاطمئنان فان الاثنين إذا قعدا بطريق المشاورة فى شأن الرسول عليه السلام وصحة نبوته من غير هوى وعصبية وعرض كل منهما محصول فكره على الآخر ادى النظر الصحيح الى التصديق ويحصل العلم على العلم وفى الفتوحات المكية قدس الله سر صاحبها الواحدة ان يقوم الواعظ من أجل الله اما غيرة واما تعظيما وقوله (مَثْنى) اى بالله ورسوله فانه من أطاع الرسول فقد أطاع الله فيقوم صاحب هذا المقام بكتاب الله وسنة رسوله لا عن هوى نفس ولا تعظيم كونى ولا غيرة نفسية وقوله (وَفُرادى) اى بالله خاصة او برسوله خاصة انتهى هذا إذا علقت (ما بِصاحِبِكُمْ) بمحذوف كما قدر فلا يوقف إذا على تتفكروا ويجوز ان يكون الوقف تاما عند تتفكروا على معنى ثم تتفكروا فى امره عليه السلام وما جاء به لتعلموا حقيقته فقوله (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) استئناف مسوق من جهته تعالى للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بان مثل هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة لا يتصدى لا دعائه الا مجنون لا يبالى بافتضاحه عند مطالبته بالبرهان وظهور عجزه او مؤيد من عند الله مرشح للنبوة واثق بحجته وبرهانه وإذ قد علمتم انه عليه السلام أرجح العالمين عقلا وأصدقهم قولا وانزههم نفسا وأفضلهم علما وأحسنهم عملا واجمعهم للكمالات البشرية وجب ان تصدقوه فى دعواه فكيف وقد انضم الى ذلك معجزات تخر لها صم الجبال أَنْ ما هُوَ صاحبكم إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ مخوف لكم بلسان ينطق بالحق بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ اى قدام عذاب الآخرة ان عصيتموه لانه مبعوث فى نسم الساعة اى أولها وقربها وذلك لان النسم النفس ومن قرب منك يصل إليك نفسه وفى التأويلات النجمية (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) فى الدنيا والآخرة لينجيكم منه والعذاب الشديد الجهل والنكرة والجحود والإنكار والطرد واللعن من الله تعالى وفى الآخرة الحسرة والندامة والخجلة عند السؤال وفى بعض الاخبار انه عذاب من يسألهم الحق فيقع عليهم من الخجل