لا عقاب علينا فيما فعلنا فهل نعطى اجرا وثوابا ونطمع ان يكون سفرنا هذا سفر غزو وطاعة فأنزل الله تعالى هذه الآية لانهم كانوا مؤمنين مهاجرين وكانوا بسبب هذه المقاتلة مجاهدين والمعنى ثبتوا على ايمانهم فلم يرتدوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا اى فارقوا منازلهم وأهلهم وَجاهَدُوا المجاهدة استفراغ ما في الوسع اى حاربوا المشركين فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى طاعته لاعلاء دينه أُولئِكَ يَرْجُونَ بمالهم من مبادى الفوز رَحْمَةِ اللَّهِ اى ثوابه ولا يحبط أعمالهم كاعمال المرتدين اثبت لهم الرجاء دون الفوز بالمرجو للايران بانهم عالمون بان العمل غير موجب للاجر وانما هو بطريق التفضل منه تعالى لا لان في فوزهم اشتباها وَاللَّهُ غَفُورٌ مبالغ في مغفرة ما فرط من عباده خطأ رَحِيمٌ يجزل لهم الاجر والثواب قال قتادة هؤلاء خيار هذه الامة ثم جعلهم الله اهل رجاء كما تسمعون وانه من رجاء طلب ومن خاف هرب- روى- انه مر ابو عمر البيكندى يوما بسكة فرأى أقواما أرادوا إخراج شاب من المحلة لفساده وامرأة تبكى قيل انها امه فرحمها ابو عمر فشفع له إليهم وقال هبوه منى في هذه المرة فان عاد الى فساده فشأنكم فوهبوه منه فمضى ابو عمر فلما كان بعد ايام اجتاز بتلك السكة فسمع بكاء العجوز من ورلء ذلك الباب فقال في نفسه لعل الشاب عاد الى فساده فنفى من المحلة فدق عليها الباب وسألها عن حال الشاب فقالت انه مات فسألها عن حاله فقالت لما قرب اجله قال لا تخبري الجيران بموتى فلقد آذيتهم فانهم سيشتموننى ولا يحضرون جنازتى فاذا دفنتنى فهذا خاتم لى مكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم فادفنيه معى فاذا فرغت من دفنى فتشفعى لى الى ربى ففعلت وصيته فلما انصرفت عن رأس القبر سمعت صوته يقول انصرفي يا أماه فقد قدمت على رب كريم ونعم ما قيل ببهانه ميدهد ببها نميدهد- قيل- ان الحجاج لما أحضرته الوفاة كان يقول اللهم اغفر لى فان الناس يزعمون انك لا تفعل ومات بواسط سنة خمس وتسعين وهي مدينته التي انشأها وكان يوم موته يسمى عرس العراق ولم يعلم بموته حتى أشرفت جارية من القصر وهي تبكى وتقول ألا ان مطعم الطعام ومفلق الهام قد مات ثم دفن ووقف رجل من اهل الشام على قبره فقال اللهم لا تحرمنا شفاعة الحجاج وحلف رجل من اهل العراق بالطلاق ان الحجاج في النار فاستفتى طاووس فقال يغفر الله لمن يشاء وما أظنها الا طلقت فيقال انه استفتى الحسن البصري فقال اذهب الى زوجتك وكن معها فان لم يكن الحجاج في النار فما يضركما انكما في الحرام فقد وقفت من هذا المذكور على ان الله تعالى غفور رحيم يغفر لعبده وان جاء بمثل زبد البحر ذنبا فاللازم للعباد الرجاء من الله تعالى قال الراغب وهذه المنازل الثلاثة التي هي الايمان والمهاجرة والجهاد هى المعنية بقوله اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ولا سبيل الى المهاجرة الا بعد الايمان ولا الى جهاد الهوى الا بعد هجران الشهوات ومن وصل الى ذلك فحق له ان يرجو رحمته واعلم ان الهجرة على قسمين. صورية وقد انقطع حكمها بفتح مكة كما قال عليه السلام.
(لا هجرة بعد الفتح) . ومعنوية وهي السير عن موطن النفس الى الله افتح كعبة القلب وتخليصها من أصنام الشرك والهوى فيجرى حكمها الى يوم القيامة. وكذا الجهاد في سبيل الله على قسمين.
أصغر وهو الجهاد مع الكفار. واكبر وهو الجهاد مع النفس وانما كان هذا الجهاد اكبر لان غاية