الى حد الوصال ثم يرد الى الفترة ويقع فى القبض مما كان به من صفاء الحال فيتناقص ويرجع الى نقصان امره الى ان يرفع قلبه من وقته ثم يجود عليه الحق فيوفقه لرجوعه عن فترته وافاقته من سكرته فلا يزال يصفو حاله الى ان يقرب من الوصال ويرتقى الى ذروة الكمال فعند ذلك يقول بلسان الحال ما زلت انزل من ودادك منزلا تتحير الألباب عند نزوله وفى التأويلات النجمية وبقوله (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) يشير الى قمر القلب فان القلب كالقمر فى استفادة النور من شمس الروح اولا ثم من شمس شهود الحق تعالى ثانيا وله ثمانية وعشرون منزلا على حسب حروف القرآن كما ان للقمر ثمانية وعشرون منزلا فالقلب ينزل فى كل حين منها بمنزل وهذه اسماؤها الالفة والبر والتوبة والثبات والجمعية والحلم والخلوص والديانة والذلة والرأفة والزلفة والسلامة
والشوق والصدق والضرر والطلب والظمأ والعشق والغيرة والفتوة والقربة والكرم واللين والمروءة والنور والولاية والهداية واليقين فاذا صار الى آخر منازله فقد تخلق بخلق القرآن واعتصم بحبل الله وله آن ان يعتصم بالله ولهذا قال الله تعالى لنبيه فى قطع منازل العبودية (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ويقال للمؤمن فى الجنة اقرأ وارق يعنى اقرأ القرآن وارتق فى مقامات القرب وبقوله (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يشير الى سير قمر القلب فى منازله فاذا الف الحق تعالى فى أول منزله ثم بر بالايمان والعمل الصالح ثم تاب وتوجه الى الحضرة ثم ثبت على تلك التوبة جعل له الجمعية مع الله فيستنير قمر قلبه بنور ربه حتى يصير بدرا كاملا ثم يتناقص بدنوه من شمس شهود الحق تعالى قليلا كلما ازداد دنوه من الشمس ازداد فى نفسه نقصانا الى ان يتلاشى ويخفى ولا يرى له اثر وهذا مقام الفقر الحقيقي الذي افتخر به النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله (الفقر فخرى) لانه عليه السلام كلما ازداد دنوه الى الحضرة ليلة المعراج ازداد فى فقره عن الوجود كما اخبر الله تعالى عنه بقوله (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) كمل هاهنا فقره عن الوجود فوجده الله تعالى عائلا فاغناه بجوده انتهى واعلم ان القمر مرآة قابلة لان تكتسب النور من قرص الشمس حسب المحاذاة بينهما ولما كان دور الشمس بطيئا كان ظهور اثرها دائرا على حصول الفصول الاربعة التي هى الربيع والصيف والخريف والشتاء ولما كان دور القمر سريعا كان ظهور اثره فى الكون سريعا والى القمر ينظر القلب فى سرعة الحركة ولهذا السر اسكن الله آدم فى فلك القمر لمناسبة باطنه به فى سرعة حركاته وتقلباته. ثم ان القمر مرئى مدرك واما الشمس فى إشراقها واضاءتها وتلألؤ شعاعها لا تدرك كيفيتها وكميتها على ما هى عليه من تمنعها وامتناعها واحتيج الى طريق يتوصل به الى ابصارها بقدر الوسع فافادت الفكرة والخبرة ان يأخذ الإنسان اناء كثيفا ويملأه ماء صافيا نظيفا ويضعه فى مقابلة الشمس لتنعكس صورة من الشمس فى الماء فيلاحظ الإنسان الشمس بغير دفع تلألؤ الاضواء ويراها فى أسفل قعر الإناء فان اللطيف من شأنه القبول والكثيف من شأنه الإمساك فقبل الماء وامسك الإناء وهذا تدبير من يريد أبصار الشمس الظاهرة بمقلته