الله تعالى فالخليفة عبارة عن الملك النافذ الحكم وهو من كان طريقته وحكومته على طريقة النبي وحكومته والسلطان أعم والخلافة فى خصوص مرتبة الامامة ايضا أعم. والمعنى استخلفناك على الملك فى الأرض والحكم فيما بين أهلها اى جعلناك اهل تصرف نافذ الحكم فى الأرض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها وكان النبوة قبل داود فى سبطه والملك فى سبط آخر فاعطاهما تعالى داود عليه السلام فكان يدبر امر العباد بامره تعالى وفيه دليل بين على ان حاله عليه السلام بعد التوبة كما كان قبلها لم يتغير قط بل زادت اصطفائيته كما قال فى حق آدم عليه السلام (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) قال بعض كبراء المكاشفين ثم المكانة الكبرى والمكانة الزلفى التي خصه الله بها التنصيص على خلافته ولم يفعل ذلك مع
أحد من أبناء جنسه وهم الأنبياء وان كان فيهم خلفاء فان قلت آدم عليه السلام قد نص الله على خلافته فليس داود مخصوصا بالتنصيص على خلافته قلنا ما نص على خلافة آدم مثل التنصيص على خلافة داود وانما قال للملائكة انى جاعل فى الأرض خليفة فيحتمل ان يكون الخليفة الذي اراده الله غير آدم بان يكون بعض أولاده ولو قال ايضا انى جاعل آدم لم يكن مثل قوله انا جعلناك خليفة بضمير الخطاب فى حق داود فان هذا محقق ليس فيه احتمال غير المقصود قال بعضهم تجبرت الملائكة على آدم فجعله الله خليفة وتجبر طالوت على داود فجعله خليفة وتجبرت الأنصار على ابى بكر رضى الله عنه فجعله خليفة فلذا جعل الله الخلفاء ثلاثة آدم وداود وأبا بكر. وكان مدة ملك داود أربعين سنة مما وهبه الخليفة الاول من عمره فان آدم وهب لداود من عمره ستين سنة فلذا كان خليفة فى الأرض كما كان آدم خليفة فيها وفى الآية اشارة الى معان مختلفة منها ان الخلافة الحقيقية ليست بمكتسبة للانسان وانما هى عطاء وفضل من الله يؤتيه من يشاء كما قال تعالى (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) اى أعطيناك الخلافة ومنها ان استعداد الخلافة مخصوص بالإنسان كما قال تعالى (جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) ومنها ان الإنسان وان خلق مستعدا للخلافة ولكن بالقوة فلا يبلغ درجاتها بالفعل الا الشواذ منهم ومنها ان الجعلية تتعلق بعالم المعنى كما ان الخلقية تتعلق بعالم الصورة ولهذا لما اخبر الله تعالى عن صورة آدم عليه السلام قال (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) ولما اخبر عن معناه قال (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ومنها ان الروح الإنساني هو الفيض الاول وهو أول شىء تعلق به امر كن ولهذا نسبه الى امره فقال تعالى (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) فلما كان الروح هو الفيض الاول كان خليفة الله ومنها ان الروح الإنساني خليقة الله بذاته وصفاته اما بذاته فلانه كان له وجود من جود وجوده بلا واسطة فوجوده كان خليفة وجود الله واما بصفاته فلانه كان له صفات من جود صفات الله بلا واسطة فكل وجود وصفات تكون بعد وجود الخليفة يكون خليفة خليفة الله بالذات والصفات وهلم جرا الى ان يكون القالب الإنساني هو أسفل سافلين الموجودات وآخر شىء لقبول الفيض الإلهي واقل حظ من الخلافة فلما أراد الله ان يجعل الإنسان خليفة خليفته فى الأرض خلق لخليفة روحه منزلا صالحا لنزول الخليفة فيه وهو قالبه واعدّ له عرشا فيه ليكون محل استوائه عليه وهو القلب ونصب له خادما وهو النفس فلو بقي الإنسان على