ولانها تمنع من النظر الى ما فوقهم وفيه اشعار بشدة حالهم فى النار وتهكم بهم لان الظلة انما هى للاستظلال والتبرد خصوصا فى الأراضي الحارة كأرض الحجاز فاذا كانت من النار نفسها كانت احرّ ومن تحتها اغمّ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ايضا ظُلَلٌ والمراد احاطة النار بهم من جمع جوانبهم كما قال تعالى (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار كما سبق فى الكهف ونظير الآية قوله تعالى (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) وقوله (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) وقال بعضهم ومن تحتهم ظلل اى طباق من النار ودركات كثيرة بعضها تحت بعض هى ظلل للآخرين بل لهم ايضا عند تردّيهم فى دركاتها كما قال السدى هى لمن تحتهم ظلل وهكذا حتى ينتهى الى القعر والدرك الأسفل الذي هو للمنافقين فالظلل لمن تحتهم وهى فرش لهم وكما قال فى الاسئلة المقحمة كيف سمى ما هو الأسفل ظللا والظلال ما يكون فوقا والجواب لانها تظلل من تحتها فاضاف السبب الى حكمه ذلِكَ العذاب الفظيع هو الذي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ فى القرآن ليؤمنوا ويحذرهم إياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه وفى الوسيط يخوف الله به عباده المؤمنين يعنى ان ما ذكر من العذاب معد للكفار وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه فيتقوه بالطاعة والتوحيد يا عِبادِ [اى بندگان من] وأصله يا عبادى بالياء فَاتَّقُونِ ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من الله تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة وفيه اشارة الى ان الله تعالى خلق جهنم سوطا يسوق به عباده الى الجنة إذ ليس تحت الوجود الا ما هو مشتمل للحكمة والمصلحة فمن خاف بتخويف الله إياه من هذا الخسران فهو عبده عبدا حقيقيا ومستأهل لشرف الاضافة اليه وعن ابى يزيد البسطامي قدس سره ان الخلق يفرون من الحساب وانا اقبل عليه
فان الله تعالى لو قال لى أثناء الحساب عبدى لكفانى فعلى العاقل تحصيل العبودية وتكميلها كى يليق بخطاب الله تعالى ويكون من اهل الحرمة عند الله تعالى ألا ترى ان من خدم ملكا من الملوك يستحق الكرامة ويصير محترما عنده وهو مخلوق فكيف خدمة الخالق نقل فى آخر فتاوى الظهيرية ان الامام الأعظم أبا حنيفة رحمه الله لما حج الحجة الاخيرة قال فى نفسه لعلى لا اقدر ان أحج مرة اخرى فسأل حجاب البيت ان يفتحوا له باب الكعبة ويأذنوا له فى الدخول ليلا ليقوم فقالوا ان هذا لم يكن لاحد قبلك ولكنا نفعل ذلك لسبقك وتقدمك فى علمك واقتداء الناس كلهم بك ففتحوا له الباب فدخل فقام بين العمودين على رجل اليمنى حتى قرأ القرآن الى النصف وركع وسجد ثم قام على رجل اليسرى وقد وضع قدمه اليمنى على ظهر رجله اليسرى حتى ختم القرآن فلما سلم بكى وناجى وقال الهى ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك ولكن عرفك حق معرفتك فهب نقصان خدمته لكمال معرفته فهتف هاتف من جانب البيت يا أبا حنيفة قد عرفت وأخلصت المعرفة وخدمت فاحسنت الخدمة فقد غفرنا لك ولمن اتبعك وكان على مذهبك الى قيام الساعة ثم ان مثل هذه العبودية ناشئة عن التقوى والخوف من الله تعالى ومطالعة هيبته وجلاله وكان عليه السلام يصلى وبصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء. والأزيز الغليان وقيل صوته والمرجل