من يعقل على غيره او لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء فيكون للعقلاء خاصة وَلا يُحِيطُونَ اى لا يدركون يعنى من الملائكة والأنبياء وغيرهم بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ اى من معلوماته إِلَّا بِما شاءَ ان يعلموه وان يطلعهم عليه كاخبار الرسل فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول وانما فسرنا العلم بالمعلوم لان علمه تعالى الذي هو صفة قائمة بذاته المقدسة لا يتبعض فجعلناه بمعنى المعلوم ليصح دخول التبعيض والاستثناء عليه وفي التأويلات النجمية يَعْلَمُ محمد عليه السلام ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من الأمور الاوليات قبل خلق الله الخلائق كقوله (أول ما خلق الله نورى) وَما خَلْفَهُمْ من اهوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب وطلب الشفاعة من الأنبياء وقولهم نفسى نفسى وحوالة الخلق بعضهم الى بعض حتى بالاضطرار يرجعون الى النبي عليه السلام لاختصاصه بالشفاعة وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ يحتمل ان تكون الهاء كناية عنه عليه السلام يعنى هو شاهد على أحوالهم يعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من امور الآخرة واحوال اهل الجنة والنار وهم لا يعلمون شيأ من معلوماته إِلَّا بِما شاءَ ان يخبرهم عن ذلك انتهى قال شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة في الرسالة الرحمانية فى بيان الكلمة العرفانية علم الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر وعلم الأنبياء من علم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بهذه المنزلة وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة انتهى وفي القصيدة البردية وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر او رشفا من الديم وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم او من شكلة الحكم حاصله ان علوم الكائنات وان كثرت بالنسبة الى علم الله عز وجل بمنزلة نقطة او شكلة ومشربها بحر روحانية محمد صلى الله عليه وسلم فكل رسول ونبى وولى آخذون بقدر القابلية والاستعداد مما لديه وليس لاحد ان يعدوه او يتقدم عليه. قوله النقطة فعلة من نقطت الكتاب نقطا ومعناها الحاصل. والشكلة بالفتح فعلة من شكلت الكتاب قيدته بالاعراب وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الكرسي ما يجلس عليه من الشيء المركب من خشبات موضوعة بعضها فوق بعض ولا يفضل على مقعد القاعد وكأنه منسوب الى الكرس الذي هو الملبد وهو ما يجعل فيه اللبدة اى لم يضق كرسيه عن السموات والأرض لبسطته وسعته وما هو الا تصوير لعظمته وتمثيل مجرد ولا كرسى في الحقيقة ولا قاعد. وتقريره انه تعالى خاطب الخلق في تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتا له يطوف الناس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم وامر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم وذكر في الحجر الأسود انه يمين الله تعالى في ارضه ثم جعله موضعا للتقبيل كما يقبل الناس أيدي ملوكهم وكذلك ما ذكر في محاسبة العباد يوم القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشهداء فوضع الميزان وعلى هذا القياس اثبت لنفسه عرشا فقال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ثم اثبت لنفسه كرسيا فقال وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ والحاصل ان كل ما جاء من الألفاظ الموهمة للتشبيه في العرش والكرسي فقد ورد مثلها بل أقوى منها في الكعبة والطواف وتقبيل