الوجه إذ ليس المراد بالقرية أهلها بل نفسها بدليل قوله وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها لم يقله على سبيل الشك في القدرة بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة فَأَماتَهُ اللَّهُ اى جعله ميتا مِائَةَ عامٍ- روى- انه لما دخل القرية نزل تحت ظل شجرة وهو على حمار فربط حماره وطاف فى القرية ولم يربها أحدا فقال ما قال وكانت أشجارها قد أثمرت فتناول من فواكهها التين والعنب وشرب من عصير العنب ونام فاماته الله في منامه وهو شاب وكان معه شىء من التين والعنب والعصير وكانت هذه الاماتة عبرة لا انقضاء مدة كاماتة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف وأمات حماره ايضا ثم أعمى الله عن جسده وجسد حماره أبصار الانس والسباع والطير فلما مضى من موته سبعون سنة وجه الله ملكا عظيما من ملوك فارس يقال له يوشك الى بيت المقدس ليعمره ومعه الف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة الف عامل فجعلوا يعمرون وأهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ونجى الله من بقي من بنى إسرائيل وردهم الى بيت المقدس وتراجع اليه من تفرق منهم في الأكناف فعمروه ثلاثين سنة وكثروا وكانوا كاحسن ما كانوا فلما تمت المائة من موت العزير أحياه الله تعالى وذلك قوله تعالى ثُمَّ بَعَثَهُ من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها ويوم القيامة يسمى يوم البعث لانهم يبعثون من قبورهم وانما قال ثم بعثه ولم يقل ثم أحياه لان قوله ثم بعثه يدل على انه عاد كما كان اولا حيا عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال فى المعارف الإلهية ولو قال ثم أحياه لم تحصل هذه الفوائد قالَ كأنه قيل فماذا قال بعد بعثه فقيل قال الله تعالى او ملك مأمور من قبله تعالى كَمْ يوما او وقتا لَبِثْتَ يا عزير ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشئونه تعالى وان إحياءه ليس بعد مدة يسيرة ربما يتوهم انه هين فى الجملة بل مدة طويلة وتنحسم به مادة استبعاده بالمرة ويطلع في تضاعيفه على امر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى وهو ابقاء الغذاء المتسارع الى الفساد بالطبع على ما كان عليه دهرا طويلا من غير تغير ما قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كقول الظان قاله بناء على التقريب والتخمين او استقصار المدة لبثه قالَ ما لبثت ذلك المقدار بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ يعنى كنت ميتا هذه المدة فَانْظُرْ لتعاين امرا آخر من دلائل قدرتنا إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ اى لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه الى الفساد- روى- انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجملة المنفية حال بغير واو من الطعام والشراب لان المضارع المنفي إذا وقع حالا يجوز ان يكون بالواو
وبدونها وافراد الضمير مع ان الظاهر ان يقال لم يتسنها او لم يتسنيا لان المذكور قبله شيآن الطعام والشراب لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء. والهاء في لم يتسنه ان كانت اصلية فهو من السنة التي أصلها سنهة وان كانت هاء سكت فهو من السنة التي أصلها سنوة واستعمال لم يتسنه في معنى لم يتغير من قبيل استعمال اللفظ في لازم معناه لان المعنى الأصلي لقولنا تسنه او تسنى مرت عليه السنون والأعوام ويلزمه التغير وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ كيف نخرت عظامه وتفرقت وتقطعت أوصاله وتمزقت ليتبين لك ما ذكر من لبثك المديد وتطمئن به نفسك وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً كائنة لِلنَّاسِ الواو استئنافية واللام متعلقة بمحذوف والتقدير فعلنا ذلك اى احياءك واحياء حمارك وحفظ ما معك من الطعام والشراب لنجعلك آية للناس