يدبر أمر الأرض اربعة من الملائكة جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام فجبريل على الجنود والرياح وميكائيل على القطر والنبات وملك الموت على قبض الأرواح واسرافيل يبلغهم ما يؤمرون به وأضاف هذه الافعال الى هذه الأشياء لانها اسباب لظهورها كقوله تعالى خبرا عن جبريل لاهب لك غلاما زكيا وانما الله هو الواهب الغلام لكن لما كان جبريل سبب ظهوره أضاف الهبة اليه والفاء لترتيب الاقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت فى الدلالة على كمال القدرة يعنى ان المقصود من الاقسام بها ظاهرا هو تأكيد المحلوف عليه وهو البعث وكونه محقق الوقوع والمقصود الأصلي تعظيم هذه الأشياء لما فيها من الدلالة على كمال قدرته فيكون في المعنى استدلالا على المحلوف عليه فكأنه قيل فمن قدر على إنشاء هذه الأشياء الا يقدر على إعادة ما انشأه اولا كقول القائل لمن أنعم عليه وحق نعمك الكثيرة انى لا أزال أشكرك اتى بصورة القسم الدال على تعظيم النعم استدلالا به على انه مواظب لشكرها فاذا كان
كذلك فالمناسب أن يقدم ما هو أدل على كمال القدرة والرياح أدل عليه بالنسبة الى السحب لكون الرياح أسبابا لها والسحب لغرابة ماهيتها وكثرة منافعها ورقة حاملها الذي هو الريح أدل عليه من السفن وهذه الثلاث لكونها من قبيل المحسوسات أدل عليه من الملائكة الغائبين عن الحسن لانه كلام من المنكر فربما ينكر وجود من هو غائب عن الحسن فلا يتم الاستدلال وقال سعدى المفتى في بيان التفاوت المذكور فاما على التنزل كما في قوله عليه السلام رحم الله المحلقين والمقصرين بأن يقال الرياح أظهر في الدلالة على كمال القدرة من السحب وهى من السفن والثلاث من الملائكة المقسمة لانه كلام مع الجاحد ويمكن أن ينكرها فكيف بجعلها أظهر مما هو محسوس على ما اختاره صاحب الكشف واما على الترقي والقول بأن كلا منها آخره أدل على كمال القدرة مما قبله ولا اعتبار بإنكار من لا عبرة به فالمقسمات يدل على أقدار الروحانيات مع لطافتها على التصرف في الجسمانيات مع كثافتها ثم الجاريات المتألفة من جميع العناصر على ما فيها من الصنعة البديعة والأمور العجيبة من حمل الأثقال مع خفة الحامل ورقة المحمل وقطع المسافة الشاسعة في زمان يسير بهبوب الرياح العاصفة ثم الحاملات تتألف من الاجزاء المائية والهوائية وقليل من الاجزاء النارية والارضية وفيها غرائب من الآثار العلوية ولا تتم الا بواسطة الرياح وعليك بالتأمل انتهى يقول الفقير سر الترتيب هو ان الرياح فوق السحاب الحاملة للمطر وهى فوق الماء الحامل للسفن وهو فوق الأرض الظاهر اثر تدبير الملائكة فيها فأشار تعالى الى ان كل امر انما ينزل من السماء وكل تأثير في الأرض انما يظهر من جانب العلو ومن ذلك وقوع البعث من القبور فمن قدر على أطهار الآثار في الأرض بالتأثيرات العلوية كان قادرا على البعث لانه من الآثار الارضية ايضا والله اعلم وفيه اشارة الى من ينزل من الملائكة المقربين لتفقد أهل الوصلة والقيام بأنواع من الأمور لاهل هذه القصة فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم هل عندهم خبر من فراقهم ووصالهم ويقولون
بربكما يا صاحى قفاليا ... اسائلكما عن حالكم فاسألانيا