النفس الامارة بالسوء ومعاملتها مع نذير القلب فانه يدعوها الى الانسلاخ عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الروحانية وهى تدعى المجانسة معه إذ النفس والروح بل النفس اخت القلب من جانب أيسر البطن وكذا تدعى تقدم رتبتها على القلب وتصرفها في القالب وما يحتوى عليه من القوى البشرية والطبيعية وتأخر رتبة القلب لانه حصل بعد ازدواج الروح مع النفس فبسبب تقدم رتبة النفس على القلب استنكفت النفس عن اتباعه وامتثال لاوامره وما عرفت ان تقدم الشرف والحسب أعلى وأفضل من تقدم الشرف والنسب ولذ قالت الحكماء توانكرى بهنرست نه بمال وبزركى بعقلست نه بسال وقال بعضهم
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهله
وهى قبيلة عرفت بالدناة والخساسة جدا فخطأت النفس نذير القلب مع ان الخاطئة نفسها وامتحنته بإخراج الناقة وذلك ان حقيقة النفس واحدة غير متعددة لكن بحسب توارد الصفات المختلفة عليها تسمى بالأسماء المختلفة فاذا توجهت الى الحق توجها كليا تسمى بالمطمئنة وإذا توجهت
الى الطبيعة البشرية توجها كليا تسمى بالامارة وإذا توجهت الى الحق تارة والى الطبيعة اخرى تسمى اللوامة فثمود النفس الامارة طلبت على جهة المكر والاستكبار من صالح رسول القلب المرسل من حضرة الروح أن يظهر ناقة النفس المطمئنة من شاهق جبل النفس الامارة بان يبدل صفتها من الامارية الى الاطمئنان فسأل صالح رسول القلب من حضرة الروح مسؤلها فأجابته إظهارا للقدرة والحكمة حتى غلبت أنوار الروح وانطمست ظلمة النفس كما ينطمس عند طلوع الشمس ظلام الليل وكان للنفس المطمئنة شرب خاص من المعارف والحقائق كما كان للنفس الامارة شرب خاص من المشارب الجسمانية فنادى الهوى وأعوانه بعضهم بعضا باستخلاص النفس الامارة من استيلاء نور الروح عليها مخافة أن ينغمس الهوى ايضا تحت هذا النور فتعاطى بعض اصحاب الهوى ذلك وكانت النفس الامارة ما تمكنت في مقام الاطمئنان تمكنا مستحكما بحيث لا تتأثر بل كان لها بقية تلوين فقتلوها بابطال طمأنينتها فرجعت القهقرى فانقهرت النفس والهوى تحت صيحة القهر وصارت متلاشية في حضرة القهر والخذلان محترقة بنار القطيعة والهجران كما قال فكيف كان عذابى ونذر فمن كان اهل الذكر والقرآن اى الشهود الجمعى يعتبر بهذا الفراق ويجتهد الى أن يصل الى نهاية الاطمئنان على الإطلاق فان النفس وان تبدلت صفتها الامارية الى المطمئنة لا يؤمن مكرها وتبدلها من المطمئنة الى الامارية ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشئومة الى طبعها وجبلتها كما كان حال بلعام وبرصيصا ولذا قال عليه السلام لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك وقال الجنيد قدس سره لا تألف النفس الحق ابدا ألا ترى ان الذمي وان قبل الخراج فانه لا يألف المسلم الفة مسلم وفرخ الغراب وان ربى من الصغر وعلم فانه لا يخلو من التوحش فالنفس ليست باهل الاصطناع والمعروف والملاطفة ابدا وانما شأنها تضييقها ومجاهدتها ورياضتها الى مفارقة الروح من الجسد (ولذا قال في المثنوى)