للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد له مَنْ يَشاءُ ان يعذبه وان كان ذنبه حقيرا حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح ويعذب الكفار لا محالة لانه لا يغفر الشرك وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته سبحانه على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب قال في التيسير دل ظاهر قوله او تخفوه على المؤاخذة بما يكون من القلب وجملته ان عزم الكفر كفر وحضرة الذنوب من غير عزم مغفورة وعزم الذنوب إذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور فاما الهم بالسيئة ثم يمتنع عنه بمانع لا باختياره وهو ثابت على ذلك فانه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله يعنى بالعزم على الزنى لا يعاقب عقوبة الزنى وهل يعاقب على الخاطر عقوبة عزم الزنى قيل هو معفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (ان

الله عفا لامتى عما حدثت به أنفسها ما لم يعمل او يتكلم) وأكثرهم على ان الحديث في الحضرة دون العزمة وان المؤاخذة في العزمة ثابتة وكذا قال الامام ابو منصور رحمه الله انتهى ما في التيسير. وربما يكون للانسان شركة في الإثم مثل القتل والزنى وغيرهما إذا رضى به من عامله واشتد حرصه على فعله وفي الحديث (من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن حضرها) وفي حديث آخر (من أحب قوما على أعمالهم حشر في زمرتهم) اى جماعتهم (وحوسب يوم القيامة بحسابهم وان لم يعمل بأعمالهم) فعلى العاقل ان يرفع عن قلبه الخواطر الفاسدة ولا يجالس الجماعة الفاسقة كيلا يحشر فى زمرتهم

گر نشيند فرشته با ديو ... وحشت آموزد وخيانت وريو

از بدان نيكويى نياموزى ... نه كند كرك پوستين دوزى

والاشارة في الآية ان الله يطالب العباد بالاستدامة المراقبة واستصحاب المحاسبة لئلا يغفلوا عن حفظ حركات الظاهر وضبط خطرات الباطن فيقعوا في آفة ترك ادب من آداب العبودية فيهلكوا بسطوات الالوهية واعلم ان الإنسان مركب من عالمى الأمر والخلق فله روح نورانى من عالم الأمر وهو الملكوت الأعلى وله نفس ظلمانية سفلية من عالم الخلق ولكل واحدة منهما ميل الى عالمها فقصد الروح الى جوار رب العالمين وقربه وقصد النفس الى أسفل السافلين وغاية البعد عن الحق فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليزكى النفوس عن ظلمة أوصافها لتستحق بها جوار رب العالمين فتزكيتها في إخفاء ظلمة أوصافها بابداء أنوار اخلاق الروح عليها فى تحليتها بها فهذا مقام الأولياء مع الله يخرجهم من الظلمات الى النور وبعث الشيطان الى أوليائه وهم اعداء الله ليخرج أرواحهم من النور الروحاني الى الظلمات النفسانية بإخفاء أنوار أخلاقها في إبداء ظلمات اخلاق النفس عليها لتستحق بها دركة أسفل السافلين. فمعنى الآية فى التحقيق (ان تبدوا ما في أنفسكم) مودع من ظلمات الأوصاف النفسانية في الظاهر بمخالفات الشريعة وفي الباطن بموافقات الطبيعة أَوْ تُخْفُوهُ بتصرفات الطريقة في موافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بطهارة النفس لقبول أنوار الروح وأخلاقه او بتلوث الروح لقبول ظلمات النفس وأخلاقها فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فينور نفسه بانوار الروح وروحه بانوار الحق وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>