والا فهم بنزولهم فى النار لم يغبنوا اهل الجنة وفى الحديث ما من عبد يدخل الجنة الا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار الا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة وتخصيص التغابن بذلك اليوم للايذان بأن التغابن فى الحقيقة هو الذي يقع فيه مالا يقع فى امور الدنيا فاللام للعهد الذي يشار به عند عدم المعهود الخارجي الى الفرد الكامل اى التغابن الكامل العظيم الذي لا تغابن فوقه قال القاشاني ليس التغابن فى الأمور الدنيوية فانها امور فانية سريعة الزوال ضرورية الفناء لا يبقى شىء منها لاحد فان فات شىء من ذلك او أفاته أحد ولو كان حياته فانما فات أو أفيت ما لزم فواته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وانما الغبن والتغابن فى إفاتة شىء لو لم يفته لبقى دائما وانتفع به صاحبه سرمدا وهو النور الكمالي والاستعدادي فتظهر الحسرة والتغابن هناك فى اضاعة الربح ورأس المال فى تجارة الفوز والنجاة كما قال فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فمن أضاع استعداده او اكتسب منه شيأ ولم يبلغ غايته كان مغبونا بالنسبة الى الكمال التام وكأنما ظفر ذلك
الكامل بمقامه ومرامه وبقي هذا متحسرا فى نقصانه انتهى وقال الراغب يوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن فى المبايعة المشار إليها بقوله ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله وبقوله ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقوله الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فلعلهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوا من ذلك جميعا وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال تبدو الأشياء بخلاف مقاديرها فى الدنيا وقال بعضهم يظهر يومئذ غبن الكافر بترك الايمان وغبن المؤمن بتقصيره فى الإحسان وإذا دخل العارف الجنة ورآه صاحب الحال فانه يراه كما يرى الكوكب الدري فى السماء فيتمنى أن يكون له مثل مرتبة العارف فلا يقدر عليها فيتحسر على تفويته اسباب ذلك فى الدنيا وقد ورد لا يتحسر اهل الجنة فى الجنة إلا ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها قيل أشد الناس غبنا يوم القيامة ثلاثة نفر عالم علم الناس فعملوا بعلمه وخالف هو علمه فدخل غيره الجنة بعلمه ودخل هو النار بعمله وعبد أطاع الله بقوة مال سيده وعصى الله سيده فدخل العبد الجنة بقوة مال مالكه ودخل مالكه النار بمعصية الله وولد ورث مالا من أبيه وأبوه شح به وعصى الله فيه فدخل أبوه ببخله النار ودخل هو بانفاقه فى الخير الجنة
وفى الحديث لا يلقى الله أحد الا نادما ان كان مسيئا ان لم يحسن وان كان محسنا ان لم يزدد وقال بعض العارفين لا يجوز الترقي فى الآخرة الا فى مقام حصله المكلف فى هذه الدار فمن عرف شيأ وتعلقت همته بطلبه كان له اما عاجلا واما آجلا فان ظفر به فى حياته كان ذلك اختصاصا واعتناء وان لم يظفر به فى حياته معجلا كان مدخر اله بعد المفارقة يناله ثم ضرورة لازمة ومن لم يتحقق بمقام فى هذا الموطن لم يظفر به ثم ولذلك سمى يوم التغابن لانقطاع الترقي فيه فاعلم ذلك وقال بعضهم الغبن كل الغبن أن لا يعرف الصفاء فى الكدورة واللطف فى صورة القهر فتوحش عن الحق بالتفرقة وهو فى عين