عليه السلام يذبح الموت بين الجنة والنار على صورة كبش ولا شك ان الذبح انما يتعلق بالأعيان وايضا ان عالم الآخرة عالم الصفة يعنى ان كل صفة باطنة فى الدنيا تتصور بصورة ظاهرة فى العقبى حسنة او قبيحة فلا شىء من المعاني الا وهو مجسم مصور فقول ابن عباس رضى الله عنه محمول على هذا نعم ان قولهم ان الحياة فرس أنثى يخالف قولهم ان البراق حقيقة ثالثة لا ذكر ولا أنثى وقال بعضهم الموت عبارة عن عدم صفة الحياة عن محل يقبلها يعنى ان الموت والحياة من باب العدم والملكة فان الحياة هى الاحساس والحركة الارادية والاضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له كما قال صاحب الكشاف الحياة ما يصح بوجوده الاحساس والموت عدم ذلك ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح واعدامه انتهى. اى إيجاد اثر الموت بقطع ضوء
الروح عن ظاهر الحي وباطنه مع كونه فى غاية الاقتدار على الحركة والتقلب وبجعله جمادا كان لم تكن به حركة أصلا وكذا إيجاد اثر الحياة بنفخ الروح واضاءة ظاهر البدن وباطنه به وبجعله قادرا على التقلب بنفسه بالارادة وعدم تلك الملكة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود والألم يعتبر فيه المحل القابل للامر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق بالموت كتعلقه بالحياة وبهذا التقرير اندفع ما اعترضوا به من ان العدم حال لا يكون مخلوقا لان المخلوق حادث وعد الحوادث ازلى ولو كان مخلوقا لزم وجود الحوادث ازلا وهو باطل وقال بعضهم معنى خلق الموت على تقدير أن يكون الموت عبارة عن عدم الحياة قدره فان الخلق يجيئ بمعنى التقدير كما فى قوله تعالى فتبارك الله احسن الخالقين ولا يبعد أن يقال ان تعلق الخلق بالموت بمعنى الإيجاد انما هو بتبعية تعلقه بالحياة بذلك المعنى وقدم على الحياة لان الموت فى عالم الملك ذاتى والحياة عرضية يعنى ان الموت اسبق لان الأشياء كانت مواتا ثم عرضت لها الحياة كالنطفة على ما دل عليه قوله تعالى وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ولانه ادعى الى احساس العمل واقرب الى قهر النفوس فمن جعله نصب عينيه أفلح وفى الحديث (لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت) وفى الإرشاد الأقرب ان المراد به الموت الطاري وبالحياة ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما كما ينطق به ما بعد الآية ليبلوكم إلخ فان استدعاء ملاحظتها لاحسان العمل مما لا ريب فيه مع ان نفس العمل لا يتحقق بدون الحياة الدنيوية انتهى. وظاهره يخالف قوله تعالى ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا فان المراد بهذه الحياة هى الحياة الدنيوية بقرينة النشور والقرآن يفسر بعضه بعضا ثم ان الالف واللام فى الموت والحياة عوض عن المضاف اليه اى موتكم وحياتكم أيها المكلفون لان خلق موت غير المكلفين وحياتهم لابتلاء المكلفين لا معنى له قال بعض العارفين الموت والحياة عرضان والاعراض والجواهر مخلوقة له تعالى وأصل الحياة حياة تجليه واصل الموت موت استتاره وهما يتعاقبان للعارفين فى الدنيا فاذا ارتفعت الحجب يرتفع الموت عنهم بأنهم يشاهدون عيانا بلا استتار ابدا لا يجرى عليهم طوارق الحجاب بعد ذلك قال الله تعالى بل احياء عند ربهم خلق الموت والحياة يميت قوما بالمجاهدات ويحيى قوما بالمشاهدات يميت قوما بنعت الفناء