والأوصاف الثلاثة وهى هلوعا وجزوعا ومنوعا احوال مقدرة لان المراد بها ما يتعلق به الذم والعقاب وهو ما يدخل تحت التكليف والاختيار وذلك بعد البلوغ او محققة لانها طبائع جبل الإنسان عليها كما قال المتنبي الظلم من شيم النفوس فان تجد. ذاعفة فلعلة لا يظلم. ولا يلزم ان لا تفارقه بالمعالجات المذكورة فى كتب الأخلاق فانها كبرودة الماء ليست من اللوازم المهيئة للوجود بل انما حصولها فيه بوضع الله تعالى وخلقه وهو يزيلها ايضا بالأسباب التي سببها إذا أراد فان قيل فيلزم ان يكون له هلع حين كان فى المهد صبيا قلنا نعم ولا محذور الا يرى انه كيف يسرع الى الثدي ويحرص على الرضاع ويبكى عند مس الألم ويمنع بما وسعه إذا تمسك بشئ فزوحم فيه قال الراغب فان قيل ما الحكمة فى خلق الإنسان على مساوى الأخلاق قلنا الحكمة فى خلق الشهوة ان يمانع نفسه إذا نازعته نحوها ويحارب شيطانه عند تزيينه المعصية فيستحق من الله مثوبة وجنة انتهى يعنى كما انه ركب فيه الشهوة ركب فيه العقل الرادع وحصلت الدلالة الى الصراط السوي من الشارع قال بعض العارفين الشح فى الإنسان امر جبلى لا يمكن زواله ولكن يتعطل بعناية الله تعالى استعماله لا غير فلذلك قال ومن يوق شح نفسه فأثبت الشح فى النفس الا ان العبد يوقاه بفضل الله وبرحمته وقال ان الإنسان خلق هلوعا إلخ واصل ذلك كله ان الإنسان استفاد وجوده من الله فهو مفطور على الاستفادة لاعلى إفادة فلا تعطيه حقيقته ان يتصدق او يعطى أحدا شيأ ولذلك ورد الصدقة برهان يعنى دليل ان هذا الإنسان وقى بها شح النفس. يقول الفقير وعليه المزاح المعروف وهو أن بعض العلماء وقع فى الماء فكاد يغرق فقال له بعض الحاضرين يا سلطانى ناولنى يدك فقيل لا تقل هكذا فانه اعتاد الاخذ لا الا عطاء بل قل خذ بيدي وقال بعضهم الغضب والشره والحرص والجبن والبخل والحسد وصف جبلى فى لانسان والجان وما كان من الجبلة فمحال ان يزول الا بانعدام الذات الموصوفة به ولهذا عين الشارع صلى الله عليه وسلم لهذه الأمور مصارف فقال لا حسد الا فى اثنتين وامر بالغضب لله لا حمية جاهلية وقال ولا ثقل لهما أف ثم مدح من قال أف لكم ولما تعبدون من دون الله وقال ولا تخافوهم ثم قال وخافون فالكل يستعملون هذه الصفات استعمالا محمودا وكثير من الفقراء يظنون زوال هذه الصفات منهم حين يعطل الله استعمالها فيهم وليس كذلك. يقول الفقير ومنه يعلم صحة قول من قال ان النفس لامارة بالسوء وان كانت نفس الأنبياء على ما أسلفناه فى سورة يوسف والحاصل ان اصول الصفات باقية فى الكل لبقاء المحاربة مع النفس إذ لا يحصل الترقي الا بالمحاربة والترقي مستمر الى الموت فكذا المحاربة المبنية على بقاء اصول الصفات فأصل النفس امارة لكن لا يظهر اثرها فى الكاملين كما يظهر فى الناقصين فاعلم ذلك قال القاشاني ان النفس بطبعها معدن الشر ومأوى الرجس لكونها من عالم الظلمات فمن مال إليها بقلبه واستولى عليه مقتضى جبلته وخلقته ناسب الأمور السفلية واتصف