اشارة الى ما ذكر من الكفر والقتل بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ اى كان بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى على الاستمرار فان الإصرار على الصغائر يفضى الى مباشرة الكبائر والاستمرار عليها يؤدى الى الكفر فان من توغل فى المعاصي والذنوب واستمر عليها لا جرم تتزايد ظلمات المعاصي على قلبه حالا فحالا ويضعف نور الايمان فى قلبه حالا فحالا ولم يزل الأمر كذلك الى ان يبطل نور الايمان وتحصل ظلمة الكفر نعوذ بالله من ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فقوله تعالى ذلِكَ بِما عَصَوْا اشارة الى علة العلة ولهذا المعنى قال ارباب المعاملات من ابتلى بترك الأدب وقع فى ترك السنن ومن ابتلى بترك السنن وقع فى ترك الفريضة ومن ابتلى بترك الفريضة وقع فى استحقار الشريعة ومن ابتلى بذلك وقع فى الكفر. فعلى المؤمن ان لا يفتح باب المعصية على نفسه خوفا مما يؤدى اليه بل ويترك ايضا بعض ما أبيح له فى الشرح وذلك هو
كمال التقوى قال عليه السلام (لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس) وقال صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه) الحديث فمنع من الاقدام على الشبهات مخافة الوقوع فى المحرمات وذلك سد للذريعة والعارف متى قصد مخالفة امره تعالى يجد من قلبه استحياء منه تعالى فينتهى عما نوى وعزم ويجتهد فى عبادة ربه. قال الجنيد رحمه الله العبادة على رؤوس العارفين كالتيجان على رؤوس الملوك ورؤى فى يده سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ فى يدك سبحه فقال طريق وصلنا به الى ما وصلنا لا نتركه ابدا. قال الشيخ ابو طالب رحمه الله مداومة الأوراد من اخلاق المؤمنين وطريق العابدين وهى مزيد الايمان وعلامة الإيقان. قال الشيخ ابو الحسن رحمه الله سألت أستاذي عن ورد المحققين فقال إسقاط الهوى ومحبة المولى أبت المحبة ان تستعمل محبا لغير محبوبه وقال الورد ردّ النفس بالحق عن الباطل فى عموم الأوقات فليواظب العبد على الأوراد والطاعات وليجانب المعاصي والسيئات قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات يوم لاصحابه (استحيوا من الله حق الحياء) قالوا انا نستحيى يا رسول الله والحمد لله قال (ليس ذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى وليحفظ البطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)
مبر طاعت نفس شهوت پرست ... كه هر ساعتى قبله ديگرست
قال بعض المشايخ لو ان رجلا عاش مائتى سنة ولا يعرف هذه الاربعة فليس شىء أحق به من النار أحدها معرفة الله تعالى فى السر والعلانية وان لا معطى ولا مانع غيره. والثاني معرفة عمل الله بان يعرف ان الله تعالى لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لرضى الله تعالى. والثالث معرفة نفسه بان يعرف ضعفه انه لا يستطيع ان يرد شيأ مما قضى الله عليه. والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه فيحاربه بالمعرفة حتى يكسره فان المعرفة سلاح العارف فمن كان عنده المعرفة الحقيقة كان غالبا على أعدائه الظاهرة والباطنة ووصل الى مراده والنفس عين العدو فعليك بالاحتراز من شره