بالسمن وضده والصغر وخلافه والإنسان المخصوص شىء واحد باق من أول عمره الى آخره والباقي مغاير للمتبدل فثبت ان الإنسان مغاير لهذا البدن المخصوص ثم بعد هذا يحتمل ان يكون جسما مخصوصا ساريا فى هذه الجثة سريان النار فى الفحم والدهن فى السمسم وماء الورد فى الورد ويحتمل ان يكون جوهرا قائما بنفسه ليس بجسم ولا حال فى الجسم وعلى كلا المذهبين لا يبعد ان ينفصل ذلك الشيء حيا عند موت البدن فيثاب ويعذب على حسب اعماله والدلائل العقلية والنقلية الدالة على بقاء النفوس بعد موت الأجساد كثيرة متعاضدة فوجب المصير اليه وبه تزول الشبهات الواردة على القول بثواب القبر كما فى هذه الآية وعلى القول بعذاب القبر كما فى قوله تعالى أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً إذا لم تمت النفوس بموت الأبدان او قلنا بانه تعالى أماتها ثم أعاد الحياة إليها كما يدل عليه ما روى فى بعض الاخبار انه قال صلى الله عليه وسلم فى صفة
الشهداء (ان أرواحهم فى أجواف طير خضر وانها ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح فى الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مطعمهم ومسكنهم ومشربهم قالوا يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا كى يرغبوا فى الجهاد فقال الله تعالى انا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا) فانزل الله هذه الآية. والذين اثبتوا هذه الحياة للاجساد اختلفوا. فقال بعضهم انه تعالى تصعد أجساد هؤلاء الشهداء الى السموات الى قناديل تحت العرش ويوصل انواع السعادات والكرامات إليها. ومنهم من قال يتركها فى الأرض ويحييها ويوصل هذه السعادات إليها كذا فى تفسير الامام ولا بن سينا رسالة فى علم النفس ولعمرى قد بلغ القصوى فى التحقيق فليطلبها من أراد. وفضائل الشهداء لا نهاية لها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشهيد لا يجد ألم القتل الا كما يجد أحدكم ألم القرصة وله سبع خصال يغفر له فى أول قطرة قطرت من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار لياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج بثلاث وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقربائه) - ويروى- انه إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى ادعوا الى خيرتى من خلقى فيقولون يا رب من هم فيقول الشهداء الذين بذلوا دماءهم وأموالهم وأنفسهم فيمرون على رب العزة وسيوفهم على أعناقهم فيدخلون مساكنهم فى الجنة وينصب يوم القيامة لواء الصدق لأبى بكر وكل صديق يكون تحت لوائه ولواء العدل لعمرو كل عادل يكون تحت لوائه ولواء السخاوة لعثمان وكل سخى يكون تحت لوائه ولواء الشهداء لعلى وكل شهيد يكون تحت لوائه وكل فقيه تحت لواء معاذ بن جبل وكل زاهد تحت لواء ابى ذر وكل فقير تحت لواء ابى الدرداء وكل مقرئ تحت لواء ابى بن كعب وكل مؤذن تحت لواء بلال وكل مقتول ظلما تحت لواء الحسين بن على رضى الله عنهما فذلك قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قيل أرواح الشهداء وان كانت فى عليين الا انها تزور قبورها كل جمعة على الدوام ولذلك يستحب زيارة القبور ليلة الجمعة ويوم الجمعة قال عليه السلام (ما من أحد يمر بمقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه) . قال الجنيد قدس سره من كانت حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه فانه ينتقل من حياة الطبع الى حياة الأصل وهى الحياة الحقيقة وإذا كان