وانما الصياغة اختلفت. فان قلت الجلود العاصية إذا احترقت فلو خلق الله تعالى مكانها جلودا اخرى وعذبها كان ذلك تعذيبا لمن لم يعص وهو غير جائز. قلت العذاب للجلدة الحساسة وهى التي عصت لا للجلد مطلقا والذات واحدة فالعذاب لم يصل الا الى العاصي لِيَذُوقُوا الْعَذابَ اى ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز أعزك الله اى ادامك على عزك وزادك فيه. قال الحسن تأكلهم النار فى كل يوم سبعين مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا- وروى- مرفوعا ان جلد الكافر أربعون ذراعا وضرسه مثل أحد وشفته العليا تضرب سرته وبين لحمه وجلده ديدان كحمر الوحش تركض بين جلده ولحمه وحيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال وهذا ليس بزيادة تحلق وتعذب من غير معصية لكن إذا زيد ذلك ثقلة على العبد ويكون نفس الثقل عقوبة عليه كسائر عقوبات جهنم من السلاسل والاغلال والعقارب والحيات. فان قلت انما يقال فلان ذاق العذاب إذا أدرك شيأ قليلا منه والله تعالى قد وصف انهم كانوا فى أشد العذاب فكيف يحسن ان يذكر بعد ذلك انهم ذاقوا العذاب. قلت المقصود من ذكر الذوق الاخبار بان احساسهم بالعذاب فى كل مرة كاحساس الذائق بالمذوق من حيث انه لا يدخله نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق ودوام الملابسة ولعل السر فى تبديل الجلود مع قدرته تعالى على بقاء ادراك العذاب وذوقه بحاله مع الاحتراق او مع ابقاء أبدانهم على حالها مصونة عن الاحتراق ان النفس ربما تتوهم زوال الإدراك بالاحتراق إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه شىء مما يريده بالمجرمين حَكِيماً يعاقب من يعاقب على حكمته. اعلم ان هذا العذاب والتبديل الذي فى الآخرة كان حاصلا له فى الدنيا ولكن لم يكن يذوقه كالنائم يجرح نفسه بحديدة فى يده فتكون الجراحة حاصلة له فى الدنيا ولكن لم يذق ألمها حتى ينتبه فالناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا. فعلى العبد ان يعمل على وفق الشرع وخلاف النفس والهوى حتى يجعل الله تعالى باكسير الشرع نحاس الصفات الظلمانية النفسانية فضة الصفات النورانية الروحانية فاذا تخلص فى الدنيا من شوب المعصية بإصلاح النفس والجريان على وفق الشرع لم يحتج فى الآخرة الى التهذيب والتنقيح بالنار- روى- ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير تائبين ولا نادمين منهم من دخل النار فى الباب الاول فى جهنم حتى لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا
يقرنون مع الشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران فى النار حرم الله تعالى أجسادهم ووجوههم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى عنقه قدر ذنوبهم وأعمالهم ثم ان منهم من يمكث فيها شهرا ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها وأطولهم فيها مكثا كقدر الدنيا منذ خلقت الى يوم تفنى. وكان ابن السماك يقول فيما يعاتب نفسه يا نفس تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين وفى الجنة تطمعين ان تدخلين هيهات هيهات ان للجنة قوما آخرين ولها اعمال غير ما تعملين ويحك أخذت بزىّ كسرى وقيصر والفراعنة وتريدين ان ترافقى