إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ اى نعم شيأ ينصحكم به تأدية الامانة والحكم بالعدل فما نكرة بمعنى شىء ويعظكم به صفته والمخصوص بالمدح محذوف إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً لما بقوله الخزنة بَصِيراً بما تعمله الأمناء اى اعملوا بأمر الله ووعظه فانه اعلم بالمسموعات والمبصرات يجازيكم على ما يصدر منكم. اعلم ان الامانة عبارة عما إذا وجب لغيرك عليك حق فاديت ذلك الحق اليه. والحكم بالحق عبارة عما إذا وجب للانسان على غيره حق فامرت من وجب عليه ذلك الحق بان يدفع الى من له ذلك الحق ولما كان الترتيب الصحيح ان يبذل الإنسان نفسه فى جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره لا جرم انه تعالى ذكر الأمر بالامانة اولا ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق ونزول هذه الآية عند القصة المذكورة لا يوجب كونها مخصوصة بهذه القصة بل يدخل فيه جميع انواع الأمانات. فاعلم ان معاملة الإنسان اما ان تكون مع ربه او مع سائر العباد او مع نفسه ولا بد من رعاية الامانة فى جميع هذه الاقسام الثلاثة. اما رعاية الامانة مع الرب فهى فعل المأمورات وترك المنهيات وهذا بحر لا ساحل له قال ابن مسعود الامانة فى كل شىء لازمة فى الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك. مثلا ان امانة اللسان ان لا يستعمله فى الكذب والغيبة
والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها. وامانة العينين ان لا يستعملها فى النظر الى الحرام. وامانة السمع ان لا يستعمله فى سماع الملاهي والمناهي واستماع الفحش والأكاذيب وغيرها وكذا القول فى جميع الأعضاء: قال السعدي قدس سره
زبان از بهر شكر وسپاش ... بغيبت نكرداندش حق شناس
كذركاه قرآن و پندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دو چشم از پى صنع بارى نكوست ... نه عيب برادر بود گير دوست
واما القسم الثاني وهو رعاية الامانة مع سائر الخلق فيدخل فيه رد الودائع ويدخل فيه ترك التطفيف فى الكيل والوزن ويدخل فيه ان لا يفشى على الناس عيوبهم ويدخل فيه عدل الأمراء مع رعيتهم وعد العلماء مع العوام بان يرشدوهم الى اعتقادات واعمال تنفعهم فى دنياهم وأخراهم ويدخل فيه امانة الزوجة للزوج فى حفظ فرجها وفى ان لا تلحق بالزوج ولدا تولد من غيره وفى اخبارها عن انقضاء عدتها. واما القسم الثالث وهو امانة الإنسان مع نفسه وهو ان لا يفعل الا ما هو الانفع والأصلح له فى الدين والدنيا وان لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره فى الآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) قال عليه السلام (لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له) فعلى العبد المؤمن ان يؤدى الأمانات كلها ما استطاع ويتعظ بمواعظ الحق فى كل زمان فان الوعظ نافع جدا
امروز قدر پند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد