فالمعنى ان كيد الشيطان منذ كان كان موصوفا بالضعف قال الامام فى تفسيره إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً لان الله ينصر أولياءه والشيطان ينصر أوليائه ولا شك ان نصرة الشيطان لاوليائه أضعف من نصرة الله لاوليائه ألا ترى ان اهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم فى غاية الفقر والذلة. واما الملوك والجبابرة فاذا ماتوا انقرضوا ولا يبقى فى الدنيا رسمهم ولا طللهم. قيل النار حفت بالشهوات وان فى كل نفس شيطانا يوسوس إليها وملكا يلهمها الخير فلا يزال الشيطان يزين ويخدع ولا يزال الملك يمنعها ويلهمها الخير فايهما كانت النفس معه كان هو الغالب. قيل ان كيد الشيطان والنفس بمثابة الكلب ان قاومته مزق الإهاب وقطع الثياب وان رجعت الى ربه صرفه عنك برفق فالله تعالى جعل الشيطان عدوا للعباد ليوحشهم به اليه وحرك عليهم النفس ليدوم إقبالهم عليه فكلما تسلطا عليهم رجعوا اليه بالافتقار
وقاموا بين يديه على نعت اللجأ والاضطرار ... قال احمد بن سهل اعداؤك اربعة. الدنيا
وسلاحها لقاء الخلق وسجنها العزلة. والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع. والنفس وسلاحها النوم وسجنها السهر. والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت واعلم ان كيد الشيطان ضعيف فى الحقيقة فان الله ناصر لاوليائه كل حين ويظهر ذلك الامداد فى نفوسهم بسبب تزكيتهم النفس وتخلية القلب عن الشواغل
الدنيوية وامتلاء أسرارهم بنور التوحيد فان الشيطان ظلمانى يهرب من النورانى لا محالة- روى- ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه استأذن يوما على النبي عليه السلام وعنده نساء من قريش يسألنه عالية أصواتهن على صوته فلما دخل ابتدرن الحجاب فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك فقال ما اضحكك يا رسول الله بابى أنت وأمي فقال صلى الله عليه وسلم (عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندى فلما سمعن صوتك بادرن الحجاب) فقال عمر أنت أحق ان يهبن يا رسول الله ثم اقبل عليهن فقال اى عدوات انفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن أنت أفظ واغلظ من رسول الله فقال عليه السلام (يا ابن الخطاب فو الذي نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك) - وروى- عن وهب بن منبه انه قال كان عابد فى بنى إسرائيل أراد الشيطان ان يضله فلم يستطع من أي جهة اراده من الشهوة والغضب وغير ذلك فاراده من قبل الخوف وجعل يدلى الصخرة من الجبل فاذا بلغه ذكر الله تباعد عنه ثم تمثل بالحية وهو يصلى فجعل يلتوى على رجليه وجسده حتى يبلغ رأسه وكان إذا أراد السجود التوى فى موضع رأسه فجعل ينحيه بيده حتى يتمكن من السجود فلما فرغ من صلاته وذهب جاء اليه الشيطان فقال له فعلت لك كذا وكذا فلم أستطع منك على شىء فاريد ان أصادقك اى ان أكون صديقا لك فانى لا أريد ضلالتك بعد اليوم فقال العابد مالى حاجة فى مصادقتك فقال الشيطان ألا تسألنى بأى شىء أضل به بنى آدم قال نعم قال بالشح والحدة والسكر فان الإنسان إذا كان شحيحا قللنا ماله فى عينه فيمنعه من حقوقه ويرغب فى اموال الناس