ثان للفعل المخاطب المجهول اى إلا فعل نفسك لا يضرك لمخالفتهم وتقاعدهم فتقدم الى الجهاد وان لم يساعدك أحد فان الله ناصرك لا الجنود. والتكلف اسم لما يفعل بمشقة او بتصنع فالمحمود منه ما فعل بمشقة حتى الف ففعل بمحبة كالعبادات والمذموم منه ما يتعاطى تصنعا ورياء وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال اى رغبهم فيه بذكر الثواب والعقاب او بوعد النصرة والغنيمة وما عليك فى شأنهم الا التحريض فحسب لا التعنيف بهم- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى فى ذى القعدة وهى سوق من المدينة على ثمانية أميال ويقال لها حمراء الأسد ايضا فلما بلغ الميعاد دعا الناس الى الخروج فكرهه بعضهم فانزل الله هذه الآية فخرج صلى الله عليه وسلم فى سبعين راكبا فكفاهم الله القتال كما قال عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ اى يمنع بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا البأس فى الأصل المكروه ثم وضع موضع الحرب والقتال قال تعالى لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا وعسى من الله واجب لانه فى اللغة الاطماع والكريم إذا أطمع أنجز وقد فعل حيث القى فى قلوب الكفرة الرعب حتى رجعوا من مر الظهران- ويروى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وافى بجيشه بدرا وقام بها ثمانى ليال وكان معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا كثيرا وقد مر فى سورة آل عمران وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً اى من قريش وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا اى تعذيبا وعقوبة ينكل من يشاهدها عن مباشرة ما يؤدى إليها ويجوز ان يكونا جميعا فى الدنيا وان يكون أحدهما فى الدنيا والآخر فى العقبى. ثم له ثلاثة أوجه. أحدها ان معناه ان عذاب الله تعالى أشد من جميع ما ينالكم بقتالهم لان مكروههم ينقطع ثم تصيرون الى الجنة وما يصل الى الكفار والمنافقين من عذاب الله يدوم ولا ينقطع. والثاني لما كان عذاب الله أشد فهو اولى ان يخاف ولا يجرى فى امره بالقتال منكم خلاف وهذا وعيد. والثالث لما كان عذاب الله أشد فهو يدفعهم عنكم ويكفيكم أمرهم وهذا وعد وانما جبن المتقاعدون لشدة بأس الكفار وصولتهم ولكن الله قاهر فوق عباده وقوة اليقين رأس مال الدين والموت تحفة المؤمن الكامل خصوصا إذا كان فى طريق الجهاد والدنيا سريعة الزوال ولا تبقى على كل حال وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كثيرا ما ينشد هذه الأبيات
لا شىء مما نرى تبقى بشاشته ... يبقى الا له ويردى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجرى الرياح له ... والانس والجن فيما بينها ترد
اين الملوك التي كانت لعزتها ... من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب ... لا بد من ورده يوما كما وردوا
وفى التأويلات النجمية فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ المعنى فجاهد فى طلب الحق نفسك فان فى طلب الحق لا تكلف نفسا اخرى الا نفسك وفيه معنى آخر لا تكلف نفس اخرى بالجهاد لاجل نفسك لان حجابك من نفسك لا من نفس اخرى فدع نفسك وتعال فانك صاحب يوم لا تملك نفس لنفس شيأ وذلك لانه صلى الله عليه وسلم اختص بهذا المقام