يريدون ان يأمنوا منكم بكلمة التوحيد يظهرونها لكم وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ اى من قومهم بالكفر فى السر وهم قوم من اسد وغطفان إذا أتوا المدينة اسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فاذا رجعوا الى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ دعوا من جهة قومهم الى قتال المسلمين أُرْكِسُوا فِيها عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب واشنعه وكانوا فيها شرا من كل عدو شرير فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ بالكف عن التعرض لكم بوجه ما وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ اى لم يلقوا إليكم الصلح والعهد بل نبذوه إليكم وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ اى لم يكفوها عن قتالكم فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ اى تمكنتم منهم وَأُولئِكُمْ الموصوفون بما عد من الصفات القبيحة جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً اى حجة واضحة فى التعرض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم فى الكفر وغدرهم واضرارهم باهل الإسلام. والاشارة فى الآية الاولى ان الاختلاف واقع بين الامة فى ان خذلان المنافقين هل هو امر من عند أنفسهم او امر من عند الله وقضائه وقدره فبين الله بقوله فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ اى
صرتم فرقتين فرقة يقولون الخذلان فى النفاق منهم وفرقة يقولون من الله وقضائه وقدره وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا يعنى ان الله اركسهم بقدره وردهم بقضائه الى الخذلان بالنفاق ولكن بواسطة كسبهم ما ينبت النفاق فى قلوبهم ليهلك من هلك عن بينة ولهذا مثال وهو ان القدر كتقدير النقاش الصورة فى ذهنه والقضاء كرسمه تلك الصورة لتلميذه بالأسرب ووضع التلميذ الاصباغ عليها متبعا لرسم الأستاذ كالكسب والاختيار فالتلميذ فى اختياره لا يخرج عن رسم الأستاذ وكذلك العبد فى اختياره لا يمكنه الخروج عن القضاء والقدر ولكنه متردد بينهما ومما يؤكد هذا المثال والتأويل قوله تعالى قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وقال وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وذلك مثل ما ينسب الفعل الى السبب الأقرب تارة والى السبب الا بعد اخرى فالاقرب كقولهم قطع السيف يد فلان والا بعد كقولهم قطع الأمير يد فلان ونظيره قوله تعالى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وفى موضع اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها قال ابن نباتة
إذا ما الآله قضى امره ... فانت لما قد قضاه السبب
فعلى هذه القضية من زعم ان لا عمل للعبد أصلا فقد عاند وجحد ومن زعم انه مستبد بالعمل فقد أشرك فاختيار العبد بين الجبر والقدر لان أول الفعل وآخره الى الله فالعبد بين طرفى الاضطرار مضطر الى الاختيار فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية. واعلم ان الجبرية ذهبت الى انه لا فعل للعبد أصلا ولا اختيار وحركته بمنزلة حركة الجمادات والقدرية الى ان العبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله تعالى ومذهب اهل السنة والجماعة الجبر المتوسط وهو اثبات الكسب للعبد واثبات الخلق لله تعالى واما مشاهدة الآثار فى الافعال من لله تعالى كما عليه اهل المكاشفة فذلك ليس من قبيل الجبر: قال فى المثنوى