فلا يكفر بذلك ولا يخرج من الايمان فان أقيد ممن قتله كذلك كان كفارة له وان كان تائبا من ذلك ولم يكن مقادا كانت التوبة ايضا كفارة له لان الكفر أعظم من هذا القتل فاذا قبلت توبة الكافر فتوبة هذا القاتل اولى بالقبول وان مات بلا توبة ولا قود فامره الى الله تعالى ان شاء غفر له وارضى خصمه وان شاء عذبه على فعله تم يخرجه بعد ذلك الى الجنة التي وعده بايمانه لان الله تعالى لا يخلف الميعاد فالمراد بالخلود فى حقه المكث الطويل لا الدوام مع ان هذا اخبار منه تعالى بان جزاءه ذلك لابانه يجزيه بذلك كيف لا وقد قال الله عز وجل وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ولو كان هذا اخبارا بانه تعالى يجزى كل سيئة مثلها لعارضه قوله تعالى وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وقد يقول الإنسان لمن يزجره عن امر ان فعلته فجزاؤك القتل والضرب ثم ان لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا فهذا التشديد والتغليظ الذي هو سنة الله تعالى لا يتعلق بالقاتل الثائب ولا بمن قتل عمدا بحق كما فى القصاص بل يتعلق بمن لم يتب وبمن قتل ظلما وعدوانا وفى الحديث (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم) وفيه (لو ان رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب لاشترك فى دمه) وفيه (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى) وفيه (ان هذا الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه) وقد روى ان داود عليه السلام أراد بنيان بيت المقدس فبناه مرارا فكلما فرغ منه تهدم فشكا الى الله تعالى فاوحى الله اليه ان بيتي هذا لا يقوم على يدى من سفك الدماء فقال داود يا رب ألم يك ذلك القتل فى سبيلك قال بلى ولكنهم أليسوا من عبادى فقال يا رب فاجعل بنيانه على يدى من فاوحى الله اليه ان اومر ابنك سليمان يبنيه والغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الانسانية وان إقامتها اولى من هدمها ألا ترى الى اعداء الدين انه قد فرض الله فى حقهم الجزية والصلح ابقاء عليهم. وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون من المفلس) قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال (ان المفلس من أمتي من يأتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار) وفى الحديث (أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس فى الدماء ثم يحاسب العبد ويقضى عليه فى حق زكاته وغيرها هل منعها او أداها) الى غير ذلك من الأحوال الجزئية. ثم اعلم ان المقتول إذا اقتص منه الولي فذلك جزاؤه فى الدنيا وفيما بين القاتل والمقتول الاحكام باقية فى الآخرة لان الولي وان قتله فانما أخذ حق نفسه للتشفى ودرء الغيظ فاما المقتول فلم يكن له فى القصاص منفعة كذا فى تفسير الحدادي ولا كفارة فى القتل العمد لقوله عليه السلام (خمس من الكبائر لا كفارة فيهن الإشراك بالله
وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وقتل النفس عمدا واليمين الغموس) والولي مخير بين ثلاث فى القتل العمد القصاص والدية والعفو وذلك لان فى شرع موسى عليه السلام القصاص وهو القتل فقط وفى دين عيسى عليه السلام العقل او العفو فحسب وفى ملتنا للتشفى القصاص وللترفه الدية وللتكرم العفو وهو أفضل: قال السعدي قدس سره