هو الإسلام بعد مبعثه لما كذبوه وبغوا عليه وحسدوه. قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته ان النصارى لما أرادوا ان يسلكوا طريق الحق بقدم الفعل وينظروا الى احوال الأنبياء بنظر العقل تاهوا فى اودية الشبهات وانقطعوا فى بوادي الهلكات جل جناب القدس عن ادراك عقول الانس هيهات هيهات وهذا حال من يحذو حذوهم ويقفوا اثرهم فاطرت النصارى عيسى عليه السلام إذ نظروا بالعقل فى امره فوجدوه مولودا من أم بلا اب فحكم عقلهم ان لا يكون مولود بلا اب فينبغى ان يكون هو ابن الله واستدلوا على ذلك بانه يخلق من الطين كهيئة الطير ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى ويخبر عما يأكلون فى بيوتهم وما يدخرون وهذا من صفات الله تعالى ولو لم يكن المسيح ابن الله لما امكنه هذا وانما
امكنه لان الولد سرابيه وقال بعضهم ان المسيح لما استكمل تزكية النفس عن صفات الناسوتية حل لاهوتية الحق فى مكان ناسوتيته فصار هو الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم اعلم ان امة محمد لما سلكوا طريق الحق باقدام جذبات الالوهية على وفق المتابعة الحبيبية أسقط عنهم كلفة الاستدلال ببراهين الوصول والوصال كما كان حال الشبلي حين غسل كتبه بالماء وكان يقول نعم الدليل أنتم ولكن اشتغالي بالدليل بعد الوصول الى المدلول محال: وفى المثنوى
چون شدى بر بامهاى آسمان ... سرد باشد جست وجوى نردبان
آينه روشن كه شد صاف وجلى ... جهل باشد بر نهادن صيقلى
پيش سلطان خوش نشسته در قبول ... جهل باشد جستن نامه ورسول
فهؤلاء القوم بعد ما وصلوا الى سرادقات حضرة الجلال شاهدوا بانوار صفات الجمال ان الإنسان هو الذي حمل امانة الحق من بين سائر المخلوقات وهى نور فيض الالوهية بواسطة الأنبياء فهم مخصوصون بأحسن التقويم فى قبول هذا الكمال فتحقق لهم ان عيسى عليه السلام صار قابلا بعد التزكية للتخلية بفيض الخالقية والمحبية كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله لا باذنه اعنى كان صورة الفعل منه ومنشأ صفة الخالقية حضرة الالوهية وهذا كما ان لكرة البلور المخروط استعدادا فى قبول فيض الشمس إذا كانت فى محاذاتها فتقبل الفيض وتحرق المحلوج المحاذي لها بذلك الفيض فمصدر الفعل المحرق من الكرة ظاهرا ومنشأ الصفة المحرقية حضرة الشمس حقيقة فصار للكرة بحسن الاستعداد قابلية لفيض الشمس وظهر منها صفات الشمس وما جلت الشمس فى كرة البلور تفهم ان شاء الله وتغتنم فكذلك حال الأنبياء فى المعجزات وكبار الأولياء فى الكرامات والفرق ان الأنبياء مستقلون بهذا المقام والأولياء متبعون. قال الامام الغزالي فى قول ابى يزيد انسلخت من نفسى كما تنسلخ الحية من جلدها فنظرت فاذا انا هو إذ من انسلخ من شهوات نفسه وهواها وهمها لا يبقى فيه متسع لغير الله ولا يكون له هم سوى الله وإذا لم يحل فى القلب الا جلال الله وجماله صار مستغرقا كأنه هو لا انه هو تحقيقا. وقوله ايضا سبحانى ما أعظم شأنى يحمل على انه قد شاهد كمال حظه من صفة القدس فقال سبحانى ورأى عظيم شأنه بالاضافة الى شأن عموم الخلق فقال ما أعظم شأنى وهو مع ذلك يعلم قدسه وعظم شأنه بالاضافة