للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قديمة وتلك الكتابة من الحرمة الذاتية عند الحقيقة وقد جاء فى بعض التفاسير فى قوله تعالى ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ انه لم يجبه بهذه المقالة من الأرض الا ارض الحرم فلذلك حرمها فصارت حرمتها كحرمة المؤمن انما حرم دمه وعرضه وماله بطاعته لربه فارض الحرم لما قالت اتينا طائعين حرم صيدها وشجرها وخلاها فلا حرمة الا لذى طاعة وفى الخبر (لم يأكل الحيتان الكبار صغارها فى ارض الحرم فى الطوفان لحرمتها) قِياماً لِلنَّاسِ مفعول ثان للجعل ومعنى كونه قياما لهم انه مدار لقيام امر دينهم ودنياهم. اما الاول فلانه يتوجه اليه الحجاج والعمار فيكون ما فى البيت من المناسك العظيمة والطاعات الشريفة سببا لحط الخطيئات وارتفاع الدرجات ونيل الكرامات. واما الثاني فلانه يجبى الى الحرم ثمرات كل شىء يربح فيه التجار وكانوا يأمنون فيه من النهب والغارة ولا يتعرض لهم أحد بسوء فى الحرم حتى ان الرجل إذا أصاب ذنبا فى الجاهلية والإسلام

او قتل قتيلا لجأ الى الحرم ويأمن فيه: قال المحيي فى فتوح الحرمين مدحا لحضرة الكعبة

هيچ نبى هيچ ولى هم نبود ... كه او نه برين در رخ اميد سود

هادئ ره نيست بجز لطف دوست ... آمدنت را طلب از نزد اوست

تا نزند سر ز چمن نو گلى ... نغمه سرايى نكند بلبلى

وَالشَّهْرَ الْحَرامَ اى وجعل الشهر الحرام الذي يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة قياما لهم ايضا فالمفعول الثاني محذوف ثقة بما مر ووجه كون الشهر الحرام سببا لقيام الناس ان العرب كان يتعرض بعضهم لبعض بالقتل والغارة فى سائر الأشهر فاذا دخل الشهر الحرام زال الخوف وقدروا على سفر الحج والتجارات آمنين على أنفسهم وأموالهم فكان سببا لاكتساب منافع الدين والدنيا ومصالح المعاش والمعاد وقد فضل الله الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى إدراكها واحترامها وتتشوق الأرواح الى إحيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها قال الامام النيسابورى عشر ذى الحجة أفضل الأيام وأحبها عند الله تعالى بعد شهر رمضان لانها هى التي ناجى فيها كليم الله موسى ربه وفيها احرم جميع الخلق بالحج ووجد آدم التوبة فى ايام العشر وإسماعيل الفداء وهود النجاة ونوح الانجاء ومحمد الرسالة وأصحابه الرضوان فى البيعة وبشارة خيبر وفتح الحديبية ونزول المغفرة بقوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وغير ذلك من الآيات والكرامات وصيام يوم من العشر كصيام الف يوم وقيام ليلة منها كعبادة من حج واعتمر طول سنته فصوم هذا العشر مستحب استحبابا شديدا لا سيما التاسع وهو يوم عرفة لكن يستحب الفطر يوم عرفة للحجاج لئلا يلحقهم فتور عن أداء الطاعات المشروعة فى ذلك اليوم ويؤدوها على الحضور والكمال وفى الحديث (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت انا والنبيون لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) وَالْهَدْيَ اى وجعل الله الهدى ايضا قياما لهم وهو ما يهدى الى البيت ويذبح هناك ويفرق لحمه بين الفقراء فانه نسك المهدى وقوام لمعيشة الفقراء فكان سببا لقيام امر الدين والدنيا يقول الفقير

<<  <  ج: ص:  >  >>