وفى الصمت زين للخلى وانما ... صحيفة لب المرء ان يتكلما
وفى الحديث (عجبت من بنى آدم وملكاه على نابيه فلسانه قلمهما وريقه مدادهما كيف يتكلم فيما لا يعنيه) والاشارة فى الآيتين ان الله تعالى نهى اهل الايمان ان يتعلموا العلوم اللدنية وحقائق الأشياء بطريق السؤال لانها ليست من علوم القال وانما هى من علوم الحال فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ اى عن حقائق أشياء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ بيانها بطريق القال تَسُؤْكُمْ إذ لم تهتدوا الى الحقائق ببيان القال فتقع عقولكم المشوبة بآفات الهوى والوهم والخيال فى الشبهات فتتهالكوا فى أوديتها كما كان حال طوائف الفلاسفة إذ طلبوا علوم حقائق الأشياء بطريق القال والبراهين المعقولة فما كانت منها مندرجة تحت نظر العقول المجردة عن شوائب الوهم والخيال أصابوها وما ضاق نطاق العقول عن دركها استزلهم الشيطان عند البحث عن الصراط المستقيم وأوقعهم فى اودية الشبهات وبوادي الهلكات فهلكوا واهلكوا خلقا عظيما بتصانيفهم فى العلوم الالهية وبعضهم خلطوها بعلم الأصول وقرروا شبهاتهم فيها فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل وما علموا ان تعلم علوم الحقائق بالقال محال وان تعلمها انما يحصل بالحال كما كان حال الأنبياء مع الله فقد علمهم علوم الحقائق بالاراءة لا بالرواية فقال تعالى وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال فى حق النبي عليه السلام لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا وقال لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى وقال عليه السلام (أرنا الأشياء كما هى) وكما كان حال الامة مع النبي عليه السلام كان يعلمهم الكتاب بالقال والحكمة بالحال بطريق الصحة وتزكية نفوسهم عن شوائب آفات النفس وأخلاقها كقوله تعالى يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وقال تعالى فيمن تحقق له فوائد الصحة على موائد المتابعة سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ثم قال وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ اى وان كان لا بد لكم من السؤال عن حقائق الأشياء فاسألوا عنها بعد نزول القرآن اى من القرآن ليخبركم عن حقائقها على قدر عقولكم. اما العوام منكم فيؤمنون بمتشابهات القرآن فانها بيان حقائق الأشياء ويقولون كل من عند ربنا ولا يتصرفون فيها بقولهم طلبا للتأويل فانه لا يعلم تأويلها الا الله والراسخون فى العلم وهم الخواص. واما أخص الخواص فيفهمون مما يشير القرآن اليه من حقائق الأشياء بالرموز والإشارات والمتشابهات ما لا يفهم غيرهم كما أشار بقصة موسى والخضر الى ان تعلم العلم اللدني انما يكون بالحال فى الصحبة والمتابعة والتسليم وترك الاعتراض على الصاحب المعلم لا بالقال ولا بالسؤال لقوله تعالى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً يعنى فى المتابعة وترك الاعتراض قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ يعنى ان من شرط المتابعة ترك السؤال عن افعال المعلم وغيرها فلما لم يستطع موسى معه صبرا ليتعلم بالحال وفتح باب القال والسؤال فقال أخرقتها لتغرق أهلها أقتلت نفسا زكية فما واساه الخضر وقال أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ يعنى موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي