للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الآية أشكل ما فى القرآن أعرابا ونظما وحكما شَهادَةُ بَيْنِكُمْ اى شهادة الخصومات الجارية بينكم فبين ظرف أضيف اليه شهادة على طريق الاتساع فى الظروف بان يجعل الظرف كأنه مفعول للفعل الواقع فيه فيضاف ذلك الفعل اليه على طريق إضافته الى المفعول نحو يا سارق الليلة اى يا سارق فى الليلة وارتفاع الشهادة على انها مبتدأ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اى شارفه وظهرت علائمه ظرف للشهادة حِينَ الْوَصِيَّةِ بدل من الظرف وفى إبداله منه تنبيه على ان الوصية من المهمات المقررة التي لا ينبغى ان يتهاون بها المسلم ويذهل عنها اثْنانِ خبر للمبتدأ بتقدير المضاف لئلا يلزم حمل العين على المعنى اى شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين او فاعل شهادة بينكم على ان خبرها محذوف اى فيما نزل علكم ان يشهد بينكم اثنان واختلفوا فى هذين الاثنين. فقال قوم هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصى.

وقال آخرون هما الوصيان لان الآية نزلت فيهما ولانه قال تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان ولا يلزم الشاهدين الإيصاء وان صح الى واحد الا انه ورد فى الآية الإيصاء الى اثنين احتياطا واعتضادا لاحدهما بالآخر. فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور كقولك شهدت وصية فلان بمعنى حضرت والشهيد الذي حضرته الوفاة فى الغزو حتى لو مضى عليه وقت صلاة وهو حى لا يسمى شهيدا لان الوفاة لم تحضره فى الغزو ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هما صفتان للاثنان اى صاحبا امانة وعقل من أقاربكم لانهم اعلم بأحوال الميت وانصح له واقرب الى تحرى ما هو أصلح له او من اهل دينكم يا معشر المؤمنين وهذه جملة تامة تتناول حكم الشهادة على الوصية فى الحضر والسفر أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ عطف على اثنان او شهادة عدلين آخرين من غيركم اى من الأجانب او من غير اهل دينكم اى من اهل الذمة وقد كان ذلك فى بدء الإسلام لعزة وجود المسلمين لا سيما فى السفر ثم نسخ بقوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فلا يقبل شهادة الذمي على المسلم لعدم ولايته عليه والشهادة من باب الولاية وتقبل شهادة الذمي على الذمي لان اهل الذمة بعضهم اولياء بعض إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اى سرتم وسافرتم فيها فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ عطف على الشرط وجوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان سافرتم فقار بكم الاجل حينئذ وما معكم من الأقارب او من اهل الإسلام من يتولى لامر الشهادة كما هو الغالب المعتاد فى الاسفار فشهادة بينكم شهادة آخرين او فانه يشهد آخران فقوله تعالى إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ تقييد لقوله أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ تَحْبِسُونَهُما استئناف وقع جوابا عما نشأ من اشتراط العدالة كأنه قيل فكيف نصنع ان ارتبنا بالشاهدين فقيل تحبسونهما اى تقفونهما وتصبرونهما للتحليف مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ من صلة واللام للعهد الخارجي اى بعد صلاة العصر لتعينها عندهم للتحليف بعدها لانه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار ولان جمع اهل الايمان يعظمون ويجتنبون فيه الحلف الكاذب وقد روى ان النبي عليه السلام وقتئذ حلف من حلف قال الشافعي الايمان تغلظ فى الدماء والطلاق والعتاق والمال إذا بلغ مائتى درهم بالزمان والمكان فيحلف بعد صلاة العصر بمكة بين الركن والمقام وفى المدينة عند المنبر وفى بيت المقدس عند الصخرة

<<  <  ج: ص:  >  >>